مرت خمسة عقود على اندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل/نيسان 1975، لكن الأسئلة المقلقة لا تزال تلاحق اللبنانيين. فهل انتهت الحرب فعلاً؟ وهل استفاد لبنان من دروس الماضي؟ أم أن الانفجار الداخلي لا يزال كامناً تحت رماد الأزمات المتراكمة؟
حرب لم تنتهِ آثارها
في الذكرى الخمسين لحرب دامت 15 عامًا، وخلفت أكثر من 200 ألف قتيل وآلاف المفقودين، يعود النقاش إلى الواجهة مجددًا. فلبنان، الذي يعيش اليوم انهيارًا اقتصاديًا غير مسبوقًا، وانقسامًا سياسيًا عميقًا، وتدخلات إقليمية متزايدة، لا يبدو بعيدًا عن مشهد الحرب. العدوان الإسرائيلي الأخير أعاد المخاوف، وطرح تساؤلات حول مدى قدرة النظام اللبناني على تجنّب الانهيار.
النظام الطائفي.. هشاشة دائمة
الكاتب السياسي بشارة شربل يؤكد أن الشعوب نادرًا ما تتعلم من مآسيها. ويشير إلى أن الحرب العالمية الأولى لم تمنع اندلاع الثانية بعد عقدين، رغم هول الخسائر. وبرأيه، فإن الأمل لا يُلغى حتى في أصعب الظروف، لكنه يرى أن استخلاص العِبر لا يحدث تلقائيًا، بل يتطلب تغيّرًا حقيقيًا في الواقع.
ويُذكّر شربل بأن حرب 1975 بدأت بشرارة صغيرة ثم تصاعدت إلى سلسلة نزاعات أهلية وإقليمية، أبقت لبنان لعقود على صفيح ساخن. كما يشير إلى أن البنية الطائفية المتوازنة نسبيًا أضعفت الدولة، لكنها ليست سببًا وحيدًا في هشاشة السلم الأهلي، فحتى دول ذات أكثرية مذهبية مثل العراق وسوريا واليمن لم تنجُ من الحروب.
ويرى شربل أن أمام اللبنانيين خيارين: إما بناء دولة مدنية لا مركزية، أو الذهاب إلى مؤتمر وطني يُنتج تسوية جديدة.

ذاكرة لا تنطفئ
من جانبه، يرى الكاتب صلاح تقي الدين أن الحرب الأهلية لا تزال حية في ذاكرة من عاشها. ويؤكد أن الحرب كانت “حرب الآخرين على أرض لبنان”، في ظل صراع عالمي بين واشنطن وموسكو، ودور منظمة التحرير الفلسطينية في تأجيج الوضع.
ويُذكّر بأن الشرارة الأولى اندلعت بعد استهداف “بوسطة عين الرمانة”، والتي اعتُبرت بداية الانفجار. لكنه يرى أن التجربة المرة تجعل تكرار الحرب صعبًا، مؤكدًا أن اللبنانيين باتوا أكثر وعيًا بأن لا طرف قادر على إلغاء الآخر.
ويعتقد تقي الدين أن الحل يكمن في تنفيذ بنود “اتفاق الطائف”، خصوصًا إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، كخطوة نحو دولة مدنية.
السلم الأهلي… على المحك
أما المحلل السياسي حسين أيوب، فيؤكد أن السلم الأهلي لا يزال هشًا. ويرى أن لبنان شهد “حروبًا صغيرة” بعد عام 1990، مثل أحداث 7 أيار، وحرب طرابلس، وظاهرة أحمد الأسير، وصولًا إلى حادثة الطيونة.
ويقول إن السؤال الحقيقي ليس فقط عن احتمالية نشوب حرب، بل عمّا إذا كان هناك قرار دولي أو داخلي لإعادة إنتاج الحرب الأهلية. وبرأيه، هذا القرار غير موجود حاليًا.
لكن أيوب يحذر من ضغوط إسرائيل الأخيرة، التي تهدف إلى نزع سلاح حزب الله، والأخطر من ذلك هو التحريض الداخلي ضد المقاومة، والدعوات لإقصاء مكونات لبنانية بالكامل.
لبنان: بيت بمنازل كثيرة
أيوب يختتم بالقول إن المجتمع اللبناني لم يتحصّن بعد الحرب. فالمصالحة لم تحدث، ولا توجد قامات وطنية تجرؤ على فتح ملف المصارحة. وبدلاً من ذلك، تستمر الخطابات التحريضية، وتغذّي وسائل التواصل الاجتماعي حالة توتر دائم.
ويؤكد أن “لا أحد ينتصر في الحرب الأهلية”، فالجميع خاسر. والمطلوب اليوم قرار شجاع، وطني، يخرج لبنان من دائرة الهاجس الأمني والسياسي.