أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الأربعاء، عن تعليق مؤقت لمدة 90 يومًا للرسوم الجمركية الجديدة التي كانت قد فُرضت مؤخرًا على عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة، بما في ذلك بعض الدول الأوروبية والآسيوية.
جاء هذا القرار في وقت حساس، حيث تشهد الأسواق العالمية حالة من التذبذب الكبير وسط مخاوف متزايدة من أن الاقتصاد الأميركي قد يواجه الركود، بالإضافة إلى الانتقادات المتزايدة التي توجه للإدارة الأميركية بسبب سياستها الحمائية.
على الرغم من الترحيب النسبي من بعض الأسواق الغربية بهذا التعليق، فإن الصين كانت مستثناة من هذا القرار بشكل واضح، بل تعرضت لزيادة إضافية في الرسوم الجمركية على صادراتها، وصلت إلى 125%. هذا التمييز أثار تساؤلات واسعة حول الأهداف الحقيقية وراء هذه المناورة التجارية، سواء كانت تمهيدًا لتسوية أوسع أو مجرد خطوة تكتيكية لكسب الوقت وتخفيف الضغوط الداخلية والدولية.
ويأتي هذا القرار في سياق التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة والصين منذ بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب، حيث يشهد الملف التجاري بين القوتين الاقتصاديتين توترًا متزايدًا، وله تأثيرات كبيرة على سلاسل التوريد العالمية وأسواق المال، مما يعيد تشكيل المشهد الجيو-اقتصادي العالمي.
أسباب القرار: خلفيات ودوافع محتملة
وقد أثار قرار ترامب بتعليق الرسوم الجمركية في هذا التوقيت الحساس العديد من التساؤلات حول الدوافع التي تقف وراء هذا التحول المفاجئ في السياسة التجارية الأميركية.

وبينما اعتُبر القرار تهدئة جزئية، تشير المعطيات إلى أن أسبابه تتجاوز الحسابات الاقتصادية المباشرة، لتعكس تداخلا معقدا بين الضغوط الداخلية، وردود الفعل الدولية، وتكتيكات التفاوض مع الخصوم التجاريين، وعلى رأسهم الصين.
- تقلب الأسواق والمخاوف الاقتصادية
أدت الرسوم الجمركية التي فُرضت سابقا إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق، حيث شهد مؤشر “داو جونز” الصناعي تراجعات حادة. وكما ذكرت وكالة رويترز، سادت الأسواق حالة من “بيع كل ما هو أميركي”، وهو تعبير تكرر خلال أزمات مالية سابقة، مما أثار مخاوف من ركود اقتصادي وشيك.
- الضغوط الدبلوماسية ومباحثات مجموعة السبع
قال وزير الاقتصاد الإيطالي، جانكارلو جيورجيتي، لوكالة رويترز إن وزراء مالية مجموعة السبع، باستثناء الولايات المتحدة، ناقشوا ردا جماعيا على الإجراءات الأميركية، وأضاف أن “التعليق خطوة إيجابية من شأنها أن تفتح المجال لحوار بناء”.
هذا الضغط الدولي لعب دورا على الأرجح في قرار البيت الأبيض بتجميد الرسوم مؤقتا، بحسب وسائل إعلام أميركية.
- التركيز الإستراتيجي على الصين
وأوضحت صحيفة وول ستريت جورنال أن الإدارة الأميركية تسعى من خلال رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 125% إلى معالجة ما تعتبره اختلالات مزمنة في الميزان التجاري مع بكين، إضافة إلى انتهاكات حقوق الملكية الفكرية.
وتعكس هذه الإستراتيجية توجها لممارسة أقصى درجات الضغط على الصين، مقابل تهدئة التوتر مع شركاء تجاريين آخرين.
ردود الفعل الفورية في الأسواق
أدى إعلان التعليق إلى ارتفاع قوي في الأسواق الأميركية، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 9.5%، في حين صعد مؤشر ناسداك بنسبة 12.2%، في أحد أكبر المكاسب منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب وول ستريت جورنال.
وتعكس هذه الطفرة تفاؤل المستثمرين بأن التراجع المؤقت عن التصعيد قد يساهم في تجنب ركود اقتصادي.

في المقابل، أشعلت الرسوم الإضافية على الصين مواجهة جديدة. ونقلت رويترز عن مصادر صينية أن بكين رفعت رسومها إلى 84% على عدد من المنتجات الأميركية، كما وضعت شركات أميركية على “القائمة السوداء”.
وعلّق الخبير الاقتصادي زانغ وي، في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، قائلا: “نحن أمام مواجهة طويلة الأمد، وكل طرف يراهن على إرهاق الطرف الآخر اقتصاديا”.
ردود الفعل الدولية
وأشاد المستشار الألماني المقبل، فريدريش ميرتس، بما وصفه “فعالية الموقف الموحد لأوروبا في التأثير على قرارات واشنطن”، داعيا إلى اتفاق تجارة خالٍ من الرسوم بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقال في تصريح لـ”رويترز”: “نحتاج إلى بناء علاقات إستراتيجية طويلة الأمد مع واشنطن، تتجاوز المواجهات الظرفية”.
أما في آسيا، فقد شهدت الأسواق اليابانية والكورية الجنوبية ارتفاعا ملحوظا عقب الإعلان، في ظل تفاؤل بأن التعليق سيمنح فرصة لمفاوضات أعمق.
وأوضح كبير المحللين في بنك ميزوهو الياباني، هيروشي كاتو، لبلومبيرغ: “الأسواق تنظر إلى التعليق على أنه خطوة تكتيكية وليست تغييرا جوهريا في توجه ترامب”.
تداعيات مستقبلية محتملة
ورغم أن قرار تعليق الرسوم الجمركية لاقى ترحيبا أوليا في بعض الأوساط الاقتصادية والدولية، فإن تأثيراته الفعلية لن تتضح بالكامل إلا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. فالمشهد التجاري العالمي لا يزال هشّا، والتوتر مع الصين آخذ في التصاعد.
وبناء على المعطيات الحالية، يُتوقّع أن تترتب على هذا القرار مجموعة من التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية، بعضها قصير المدى، والآخر قد يمتد ليعيد تشكيل موازين القوى في التجارة الدولية.
- عدم اليقين الاقتصادي: رغم الارتياح المؤقت، فإن استمرار التصعيد مع الصين قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة وتباطؤ النمو الاقتصادي، بحسب تحليل وول ستريت جورنال.
- اضطراب سلاسل التوريد العالمية: قد تضطر الشركات الأميركية إلى البحث عن بدائل للتوريد خارج الصين، مما يستلزم استثمارات ضخمة وإعادة هيكلة قد تستغرق سنوات، وفقا لتحليل رويترز.
- توتر دبلوماسي متصاعد: قد تؤدي استثناء الصين من التعليق إلى تعقيد مفاوضات مستقبلية، كما يُحتمل أن تتوسع رقعة الخلافات لتشمل مجالات أخرى كالتكنولوجيا والطاقة.
وربما تعكس خطوة ترامب بتعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما تحولا تكتيكيا في السياسة التجارية الأميركية، مدفوعا بضغوط السوق وتفاعلات دبلوماسية حساسة.
وبينما يفتح التعليق الباب أمام مفاوضات مع بعض الشركاء، فإن التصعيد مع الصين يبقى عامل توتر مركزيا قد تكون له تداعيات بعيدة المدى على الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وينتظر المراقبون ما إذا كانت هذه الهدنة بداية لحل شامل أم مجرد هدنة مؤقتة في حرب تجارية طويلة.