في جلسة استماع عقدتها لجنة العلوم والنقل بمجلس الشيوخ الأميركي، مثُل جاريد إيزاكمان، رائد الأعمال وقائد المهمات الفضائية، يوم الأربعاء الماضي بوصفه مرشح الرئيس دونالد ترامب الجديد لتولي إدارة وكالة الفضاء ناسا.
تساؤلات حول العلاقة مع ماسك
خلال الجلسة، واجه إيزاكمان أسئلة ساخنة بشأن علاقته المحتملة بإيلون ماسك، مؤسس شركة سبيس إكس، والتي تُعد اليوم أكبر شريك تجاري لناسا.
ورغم نفيه لأي تواصل مباشر مع ماسك بخصوص تولي المنصب، فقد امتنع عن الإجابة عندما سُئل عمّا إذا كان ماسك حاضرًا عند عرض ترامب عليه المنصب، مما أثار تساؤلات حول مدى استقلاليته.
مستقبل برنامج “أرتميس”
محور النقاش الرئيسي كان برنامج أرتميس، الذي أُطلق في عهد ترامب الأول، ويهدف لإعادة الأميركيين إلى سطح القمر خلال العقد الحالي.
وفي ظل تركيز إدارة ترامب الجديدة على استعمار كوكب المريخ، عبّر عدد من المشرعين عن قلقهم من تراجع أولوية برنامج أرتميس.
تحذير من التخلي عن القمر
قال السيناتور الجمهوري تيد كروز، ممثل ولاية تكساس التي تضم مركز جونسون للفضاء:
“التخلي عن القمر لصالح الصين الشيوعية سيكون خطأً كارثيًا في سباق الفضاء.”
تأتي هذه التصريحات وسط تزايد التوتر الجيوسياسي في مجال الفضاء، حيث تضع الصين والولايات المتحدة أعينهما على الهيمنة في الفضاء القريب.

ترامب وماسك
ويأتي استهداف المريخ كوجهة للاستكشاف بمركبات مخصصة لرواد الفضاء بمثابة تحد تقني ومالي يفوق القدرات الحالية والمخصصة لاستكشاف القمر، ذلك لأن المريخ يتمتع ببيئة ديناميكية متقلبة وشديدة على عكس القمر الذي يعمّه السكون والهدوء أغلب الأوقات، مما يجعل مهمة الكوكب الأحمر أصعب وأعقد بكثير، فضلا عن المسافات الشاسعة وصعوبة الوصول.
لكن ثمة علاقة فريدة تجمع بين ماسك وترامب، بالنظر إلى حجم التعزيزات من خلال الدعم العلني للرئيس المنتخب وتقديم تبرع سخي لحملته. العلاقة التي يفسرها البعض بأنها ستصب في مصلحة الصناعات الفضائية، يمكن أن تكون السبب في تخطي هذه التحديات.
وقد علق أحد المستشارين والمختصين في صناعة الفضاء دوغ لوفيرو بأن هذه الخطوة قد تمهد لخطط أكثر واقعية وجدية نحو احتلال المريخ، إذ من المتوقع أن يندرج المريخ ضمن الأهداف الإستراتيجية على المدى القريب، لا سيما أن ترامب سبق أن أشار إلى أن مشروع القمر يمثل نقطة انطلاق نحو المريخ.
ويعتقد المحللون أن إدارة ترامب تفضل عقد شراكات ثابتة مع شركات خاصة مثل سبيس إكس، بحيث تتحمل هذه الشركات جزءا كبيرا من المسؤولية المالية، وذلك لتخفيف الضغوط على ميزانية مشروع أرتميس.
كما أن ماسك يطمح إلى التحرر من بعض القيود التنظيمية التي تفرضها الحكومة الأميركية على الرحلات الفضائية التجارية، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في مكتب الفضاء التجاري التابع لإدارة الطيران الفدرالية، الذي كان يشكل دائما تحديا أمام تطوير نظام الإقلاع الفضائي “ستارشيب” التابع لسبيس إكس، كما قد سبق أن عُلّقت رحلات صاروخ “فالكون 9” التابع لسبيس إكس هذا العام في عدة مناسبات بسبب بعض الأعطاب.

معضلة تعصف بالوكالة
وبينما تتصاعد التساؤلات بشأن أولوية القمر مقابل المريخ، حاول إيزاكمان تبديد المخاوف بقوله إن ناسا قادرة على المضي قدما في المهمتين معا. إلا أن مواقفه السابقة من “نظام الإطلاق الفضائي”، وهو الصاروخ المخوّل لبرنامج أرتميس، لا تزال تُلقي بظلالها على موقفه، لا سيما بعد وصفه للمشروع بـ”باهظ التكاليف إلى حد غير معقول”.
ومع ذلك، أوضح خلال الجلسة أنه “أفضل وأسرع وسيلة متاحة حاليا” لإيصال طاقم “أرتميس 2” إلى القمر.
وفي سياق متصل، أثيرت تساؤلات عن العلاقة المتشابكة بين ناسا وشركة سبيس إكس، التي تحظى بعقود تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار لتأمين النقل الفضائي للرواد وبناء مركبة الهبوط القمرية.
وأكد إيزاكمان أن “الولاء يجب أن يكون لناسا، لا للمقاولين”، مشددا على أن “سبيس إكس تعمل لصالح الوكالة، وليس العكس”، في إشارة إلى أهمية الحفاظ على التوازن بين الاعتماد على القطاع الخاص وضمان استقلالية القرار الفضائي الأميركي.
ومن بين المواضيع التي فجّرت خلافا ضمنيا بين إيزاكمان وماسك، كان مصير محطة الفضاء الدولية، إذ دعا ماسك إلى إنهاء مهامها بحلول عام 2027، قبل موعدها المحدد بـ3 سنوات. غير أن إيزاكمان عبّر عن رفضه لهذا المقترح، معتبرا أنه “لا مبرر لتغيير خطة إنهاء الخدمة في 2030″، في ظل نية ناسا استبدال المحطة بمحطات فضائية خاصة في العقد المقبل.
ورغم افتقاده إلى الخلفية السياسية التي ميزت قادة ناسا السابقين، يرى إيزاكمان أن تجربته في ريادة الأعمال وقيادة المهمات الفضائية تمنحه زاوية نظر مختلفة قد تفيد الوكالة في مرحلة التحول الراهنة. وقد حظي ترشيحه بدعم تحالف صناعي يضم أكثر من 85 شركة فضائية، إضافة إلى تأييد 28 رائد فضاء سابقا.
وإن تأكد تعيينه، فإن إيزاكمان سيكون أول مدير للوكالة يأتي من خلفية تجارية بحتة، في لحظة فارقة قد تعيد تشكيل ملامح الوكالة في عصر تتقاطع فيه الطموحات السياسية مع متغيرات السوق الفضائي المتسارع.