صرخة “قوم يابا” التي أطلقها والد مفجوع على خشبة المسرح، لم تكن مجرد مشهد درامي، بل كانت تجسيدًا حيًا لمعاناة مستمرة منذ عام 1948. إنها صرخة تختصر عقودًا من القهر الذي تعرض له الشعب الفلسطيني واللبناني على يد الاحتلال الإسرائيلي.
اختار المخرج والممثل اللبناني قاسم إسطنبولي أن يجعل من هذه الصرخة عنوانًا لمسرحيته، التي عرضها خلال أسبوع السينما الفلسطينية على خشبة المسرح الوطني اللبناني في مدينة صور، جنوب لبنان. وجاء هذا العمل تضامنًا مع أهالي غزة، ورسالة فنية تعبّر عن الوجع المستمر.
تفاعل جماهيري ورسائل إنسانية
في عرض تفاعلي أبدع إسطنبولي بأداء باللهجة الفلسطينية، حيث أوصل رسائل مؤثرة تناولت سرقة التراث الفلسطيني، وجرائم الاحتلال، والشتات، والتخاذل الدولي. العرض لاقى تفاعلًا كبيرًا من الحاضرين، الذين تأثروا بالمشاهد العاطفية.
محمد عاشور، أحد الحضور، قال في حديثه لـ”نيوز عربي”: “تأثرت كثيرًا بمشهد الطفل الذي لا يرد على نداء والده. شعرت كأنه يعكس واقع آلاف الأطفال في غزة”. وأضاف: “أتساءل دومًا من سيتحمل مسؤولية هؤلاء الأبرياء أمام الله؟”.
ذكريات عاشور المؤلمة عادت به إلى مجازر “الكرنتينا” وصبرا وشاتيلا في بيروت، حيث عايش التهجير والمعاناة، مشددًا على ضرورة نقل هذه التجارب عبر المسرح والفن.
المسرح كمنصة مقاومة
رغم الحرب الإسرائيلية الأخيرة، لم تُغلق أبواب المسرح الوطني اللبناني في صور. استمر في استقبال العروض والفعاليات، واحتضن عائلات نازحة من المناطق الحدودية، مقدّمًا عروضًا للأطفال لمساعدتهم على تجاوز آثار الحرب.
وثائقي “جنين جنين” كان أيضًا حاضرًا ضمن الفعالية. الفيلم الذي أخرجه محمد بكري عام 2002، ويُمنع عرضه في الأراضي المحتلة، يُسلط الضوء على معاناة أهالي مخيم جنين خلال الاجتياح الإسرائيلي وجرائم الاحتلال في أبريل/نيسان من نفس العام.
سعد الله شميساني، أحد الحاضرين، وصف الفعالية بأنها “توثيق بصري لسردية القضية الفلسطينية”. وأشار إلى أن ما شهدناه في الأعوام 2023، 2024، و2025 من مجازر بحق المدنيين يفوق فظائع الحربين العالميتين. وقال: “المسرح المقاوم هو وسيلة لفضح الاحتلال وكسر الصمت الدولي”.
صوت غزة يصل للعالم
سناء فرحات، حضرت العرض مع أقاربها، وأكدت لـ”نيوز عربي” أن المسرحية عبّرت بصدق عن الواقع. وأضافت: “هناك من لا يعرف شيئًا عن غزة، والمسرح يمكنه أن يكون الجسر الذي ينقل صوتها إلى العالم”. وأعربت عن أملها في استمرار هذه الجهود لتكون أداة ضغط إنسانية.
إسطنبولي: المسرح فعل مقاومة
في حديثه لـ”نيوز عربي”، أكد المخرج قاسم إسطنبولي أن مسرحيته “قوم يابا” تسرد تاريخ الشعب الفلسطيني منذ عام 1948. وأوضح أن “ما نقدمه من صور إلى طرابلس خلال أسبوع السينما الفلسطينية هو الحد الأدنى الممكن، ولكننا نؤمن بأن المسرح مقاومة”.
وأضاف إسطنبولي: “تحية من الجنوب إلى غزة. نحن بحاجة إلى حفظ الذاكرة للأجيال القادمة، كما قال الكاتب الفلسطيني سلمان ناطور: بلا ذاكرة تأكلنا الضباع“.
وأكد أن المسرح والفن والثقافة أدوات ضرورية للتعبير عن القضايا العادلة، خاصة في ظل محاولة الاحتلال سرقة كل ما يملكه الفلسطينيون من حضارة وتاريخ. وقال: “نحن نُظهر من خلال المسرح أن الحقيقة ليست كما يُروج لها في الإعلام الغربي”.
الختام: المسرح يوحد الشعوب
ختم إسطنبولي حديثه بكلمات مقتبسة من المخرج محمد بكري في فيلم “جنين جنين”: “ما نعيشه اليوم هو استمرار لنفس الهمجية”. وأشار إلى أن التفاعل الكبير من الجمهور اللبناني والفلسطيني والعربي هو الدليل على أن المسرح ما زال يوحد الشعوب تحت راية فلسطين.
