[ad_1]
الدكتور صالح أبو أصبع يستأنف تجربته السردية في روايته الجديدة “نجوم ورفاقها”
يواصل الأديب الفلسطيني الدكتور صالح أبو أصبع، المولود في سلمة، يافا عام 1946، تجربته السردية والقصصية في روايته الجديدة “نجوم ورفاقها”، التي نشرها مؤخراً عن دار أزمنة في عمان. وتعد هذه الرواية استئنافاً وتوسيعاً للمسار الأدبي الذي بدأه منذ منتصف ستينيات القرن العشرين أثناء دراسته في القاهرة، حيث اجتهد طوال عقوده الأدبية الماضية في تعميق تجربته من خلال مجموعاته القصصية التي نشرها على مدار أكثر من خمسين عامًا. ومن أبرز هذه المجموعات:
- عراة على ضفة النهر (القاهرة، مطبعة المعرفة، 1972)
- محاكمة مديد القامة (بيروت، دار القدس، 1975)
- أميرة الماء (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1978)
- وجوه تعرف الحب (قبرص، دار الملتقى، 1992)
- قصص بلون الحب: أربع مجموعات قصصية (الأعمال القصصية، عمان، 2001)
- دعوة عشاء وقصص أخرى (كتاب دبي الثقافية، 2016)
الرواية بين المقاومة والهوية الفلسطينية
تأخذ رواية “نجوم ورفاقها” مكانها في سياق هذه التجربة القصصية الغنية، حيث تعكس العديد من المواضيع التي اهتم بها أبو أصبع طوال مسيرته الأدبية. يواصل الكاتب طرح موضوع القضية الفلسطينية التي شغلت جزءاً كبيراً من اهتمامه، ليعود إلى الكتابة في سياقها، مسلطًا الضوء على تجربة المقاومة التي يُعتبرها السبيل الأساسي لاستعادة الوطن الفلسطيني وحفظ هويته في خضم الصراع المستمر.
تتمثل الكتابة الأدبية عند صالح أبو أصبع في التعبير عن فقدان الوطن، والسعي للمحافظة على فلسطين كهوية ووجود، سواء من خلال الذاكرة أو اللغة. في هذا السياق، تُعد الكتابة أداة للتوثيق والمقاومة ضد محاولات التهميش والإقصاء، فهي بمثابة مرآة تعكس للإنسان جانبه المفقود أو ما فقده، وتفتح المجال لاستعادة جزء من هذا المفقود عبر الأدب. وتعتبر روايته مثالاً على السعي لاستعادة “الفردوس المفقود”، كما تمنح الفرصة للأصوات المظلومة أن تُسمع، وتساهم في رواية حكاياتهم أمام محاولات الإسكات.
الكتابة كأداة مناهضة للمحو والتغييب
من خلال روايته “نجوم ورفاقها”، يعزز أبو أصبع دوره الأدبي كأداة للتوثيق في مواجهة محاولات المحو والتغييب التي تتعرض لها القضية الفلسطينية. يعبر عن هموم الفلسطينيين وآلامهم في رحلة بحثهم عن الهوية والوجود، مقدماً الأدب كوسيلة لحفظ الذاكرة الشعبية وتجسيد تلك التحديات.
باختصار، تأتي رواية “نجوم ورفاقها” لتكون إضافة جديدة في مسيرة صالح أبو أصبع الأدبية، مواصلةً طرح قضايا فلسطينية جوهرية، وتحقيق المزيد من التفاعل مع التجربة الإنسانية من خلال الكتابة الأدبية التي تظل وسيلة قوية للمقاومة والنضال.

جماليات “النوفيلا” في رواية “نجوم ورفاقها”
تثير رواية “نجوم ورفاقها” مسألة جنسها الأدبي، حيث يواجه القارئ صعوبة في تصنيفها ضمن جنس أدبي محدد. ورغم تصنيفها كـ “رواية” وفق الغلاف، فإنها أقرب إلى “النوفيلا” أو “الرواية القصيرة”، جنس يقع بين “القصة القصيرة” و”الرواية”، ويتميز بعدة خصائص تميزه عن الجنسين المجاورين له.
النوفيلا: بين القصة القصيرة والرواية
النوفيلا تختلف عن القصة القصيرة في طول الشريط اللغوي، وهو ما يترك تأثيرات على البناء اللغوي والسردي، مما يسمح بتناول الموضوعات بعمق أكبر. في المقابل، تظل أقصر من الرواية التقليدية، مما يفرض عليها تكثيف التعبير واختصار التفاصيل، فيكون السرد أكثر إجمالاً واحتشاداً. هذه الصفات تجعل النوفيلا أقرب إلى سمات القصة القصيرة التي لا تسمح بالتوسع المفرط، بينما هي أبعد عن سمات الرواية التي تتسم عادة بالاستطراد والتفصيل.
النوفيلا في “نجوم ورفاقها”
رواية “نجوم ورفاقها” يمكن قراءتها كـ “رواية قصيرة” لأنها تعتمد على تقنيات قصصية مكثفة ومختزلة، وكأنها تنتمي إلى عالم القصة القصيرة. هذه الظاهرة تظهر بوضوح في أعمال العديد من الكتاب المتمرسين في فن القصة القصيرة، الذين يفضلون الكثافة والاختصار على الاستطراد والتوسع. في هذه الرواية، نجد أن السرد يركز على المعنى المختزل بدلاً من التفاصيل المطولة، مما يجعلها تنحو إلى الشكل الأكثر اختصاراً والتركيز.
بنية الفصول القصيرة
من السمات البارزة في “نجوم ورفاقها” هو تصميم الفصول القصيرة التي يتم فيها تجزئة مادة الرواية بشكل مقتضب. وتُظهر الفصول القصيرة وحدة سردية مكثفة، حيث تتسم هذه الوحدة بالطابع القصصي الذي لا يسمح بالإطالة أو التفصيل. إن هذه البنية التي تحتوي على فصول مترابطة هي إحدى السمات المميزة للرواية القصيرة، إذ تتيح تقديم الفكرة أو الموضوع بشكل مباشر مع الحفاظ على وحدة السرد ووضوح المعنى.
النوفيلا: أسلوب متقن يعكس خبرة الكاتب
الكاتب الذي يمتلك خبرة طويلة في كتابة القصة القصيرة يميل إلى تقنيات السرد المكثف والاختصار. وعليه، فإن “نجوم ورفاقها” تمثل هذا الأسلوب بامتياز، حيث تبرز جماليات السرد المكثف الذي يعكس خبرة الكاتب في تحقيق التوازن بين القصة القصيرة والرواية، ويخلق تجربة أدبية لا تقتصر على الفكرة وإنما تستحضر العديد من الملامح الأدبية المعقدة في أسلوب مختصر وواضح.
.
رواية الشخصية الإنسانية في “نجوم ورفاقها”
يمكن وصف رواية “نجوم ورفاقها” بأنها نموذج بارز لرواية الشخصية، حيث تركز بشكل رئيسي على الشخصيات وتستخدمها كمفاتيح أساسية للتطوير السردي. الراوي في هذه الرواية، “أحمد السلماوي”، يمثل شخصية الكاتب والصحفي، وهو المؤلف الضمني الذي يتولى السرد عن نفسه وعن بقية الشخصيات في معظم الأحيان. بذلك، يتشكل “أحمد السلماوي” كقناع للمؤلف الحقيقي، وهو الوسيط الفني الذي يقوم بالسرد نيابة عن المؤلف.
دور أحمد السلماوي في السرد
من خلال طبيعة السرد وأسلوبه المكثف، يتمكن الراوي أحمد السلماوي من تقديم الشخصيات والأحداث من منظور شخصي، حيث يختار ما يراه مناسبًا لبناء الرواية وفقًا لما تقتضيه الرسالة الأدبية التي يحملها. وهذه الاختيارات هي التي تعطي الرواية تنسيقًا معينًا، وتساعد في توجيه القارئ لفهم المعنى المراد بشكل مكثف، دون التورط في التفاصيل الزائدة.
عند النظر في محتويات الرواية، نجد أن هيكلها يميل إلى النظام الإطاري، من خلال وجود “مدخل: توضيح لا بد منه” و”خاتمة: كلمة الراوي الأخيرة”. هذه الفصول الإطارية تمثل حضور أحمد السلماوي بشكل مكثف، إضافة إلى ثلاثة فصول أخرى (الأول، التاسع، الخامس عشر) التي تم تخصيصها له. بالرغم من أن الفصول الأخرى تحمل أسماء شخصيات مختلفة، فإن أحمد السلماوي يظل الحضور الأساسي في كل الفصول، سواء كراوٍ أو كأحد الشخصيات المشاركة.
الشخصيات المحورية في الرواية
تعتبر شخصية “نجوم” واحدة من أبرز الشخصيات في الرواية، حيث تم تمييزها ليس فقط في العنوان ولكن أيضًا في فصول الرواية (الفصل الأول والفصل الحادي عشر). وجودها المكثف يعكس أهميتها في السرد، حيث ترتبط بشكل وثيق بأحمد السلماوي وتتفاعل مع معظم الشخصيات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، نجد شخصيات مثل “أسامة” و”عبد الغافر عمران” التي تركز الرواية على حضورها من خلال عناوين فصولهم الخاصة، مما يعكس دورها المحوري في السرد.
أما الشخصيات الأخرى مثل “ريما”، “ليزا”، “أم محمد”، “زهراء”، “هاني”، و”جورج الراعي”، فهي تظهر في فصول فردية، مما يساهم في إبراز تنوع الشخصيات وأدوارها في تقدم الأحداث.
الشخصيات غير المسماة
تظل بعض الشخصيات غير مسماة في العناوين، لكنها حاضرة بقوة في السرد، مثل شخصية الشهيد “خالد الرماد”، الذي يتم الحديث عنه في أكثر من موقف، مما يكشف عن علاقاته العميقة مع الشخصيات الأخرى. كذلك، تظل الشخصيات مثل الصحفيين الأجانب حاضرة من خلال تفاعلات أحمد السلماوي معهم، مما يعزز فكرة التواصل بين الكتاب والصحفيين الأجانب وارتباطهم بالقضية الفلسطينية.
الرواية والأنواع المتخللة
تمثل رواية “نجوم ورفاقها” أيضًا نموذجًا على الانفتاح الأدبي على الأنواع الأخرى. فقد أدرج المؤلف رسالة طويلة من صديق الراوي “علي عشري” من مصر، مما يتيح تداخلًا واضحًا بين الرواية والرسالة. كما استُخدمت قصيدة شعرية أخرى في السياق نفسه، لتضيف طبقة إضافية للنسيج الأدبي للرواية.
إلى جانب ذلك، نجد أن بعض الشخصيات تتنقل عبر حكايات فرعية، تروي تجارب شخصية لها، مما يساهم في توسع الرواية وتقديم عمق في سرد الأحداث. هذه الحكايات الفرعية لا تبتعد عن البنية العامة للرواية، بل تساهم في خدمة الصورة الأدبية العامة وتثري النص.

دور المرأة في “نجوم ورفاقها”
تتجلى أهمية دور المرأة في رواية “نجوم ورفاقها” من خلال عدة شخصيات تمثل النضال الفلسطيني النسائي، وفي مقدمتها شخصية “نجوم”، مديرة مدرسة الأشبال وأبناء الشهداء. تعود العلاقة بين الراوي و”نجوم” إلى أيام طفولته، حيث جدد التواصل معها ليكتشف في النهاية أنها ستكون شريكته في الحياة. تعكس “نجوم” قدرة المرأة الفلسطينية على التغيير والتأثير في المسار الثوري، مما يعزز حضورها المتميز في الرواية.
أما شخصية “ريما”، فقد ظهرت في البداية كمدرّسة في مدرسة الأشبال، لكن تحولات حياتها جعلتها تشارك في عملية فدائية داخل الوطن المحتل، حيث استشهدت بعد أن أسرت. تمثل “ريما” نموذجًا للمرأة الفلسطينية التي تناضل وتضحي، مع ترك ذكريات حية في قلوب من عرفوها.
كذلك، تبرز شخصيات مثل “زهراء” و”أم محمد” اللواتي يعكسن نضال المرأة الفلسطينية، إذ تقترب “أم محمد” في شخصيتها من “أم سعد” في رواية غسان كنفاني. تظهر “أم محمد” سيدة بسيطة في ظاهرها، ولكنها تمتلك قوة لا يُستهان بها؛ فهي تضحي بكل شيء من أجل القضية، وتقدم أبناءها بصبر في طريق التحرر. تمثل شخصيتها في الرواية المرأة الفلسطينية الصامدة التي تعيش في المخيمات، تعمل بجد ولا تفقد ارتباطها بأرضها وقضيتها.
تركز الرواية على دور المرأة الفلسطينية في النضال، وتطرح تساؤلات حول تأثير الثورة في تحرير المرأة من القيود الاجتماعية التي تكبلها. يساهم هذا التركيز في تسليط الضوء على قدرة المرأة الفلسطينية على العطاء والنضال في شتى المجالات، سواء كانت في التربية أو في ساحات المعركة.
قضية الهوية والجنسية
تناولت الرواية قضية الهوية والجنسية من خلال شخصية “جورج الراعي”، الشاب الفلسطيني المسيحي الذي تجنس بالجنسية اللبنانية في إطار الصراع اللبناني الداخلي. من خلال هذه الشخصية، تقدم الرواية مقاربة معقدة لمسألة الهوية الوطنية والجنسية، حيث تطرح أن الجنسية يمكن أن تكون مجرد وثائق وأوراق قانونية، لكن الهوية هي ما يظل ثابتًا، حتى لو كانت مهددة أو مفقودة.
تستعرض الرواية كيف أن حمل الجنسية اللبنانية لم يؤثر على انتماء “جورج الراعي” إلى فلسطين، حيث كان يواصل نضاله الوطني داخل التنظيم الفلسطيني. تسلط الرواية الضوء على الفارق بين الجنسية كإثبات قانوني والهوية كجزء لا يتجزأ من الشخصية الوطنية للشعب الفلسطيني.
تجارب الأجيال الفلسطينية
تستعرض الرواية تجربة أجيال مختلفة من الفلسطينيين: جيل الآباء والأمهات قبل النكبة، جيل الأطفال الذين شهدوا النكبة، ثم جيل ما بعد النكبة الذين ولدوا في مخيمات اللجوء. هذه الأجيال تتوارث تجاربها وتستمر في نضالها، وتحمل القيم نفسها في مواجهة الاحتلال ومخلفاته.
تعد “ريما” نموذجًا معبرًا عن هذا الانتقال بين الأجيال، حيث تترك التعليم في مدرسة الأشبال لتشارك في عملية فدائية داخل فلسطين المحتلة. استشهادها بعد أسرها يعكس النضال الفلسطيني المستمر والتضحية التي لا تتوقف. تُبرز الرواية أن الأجيال المختلفة، رغم اختلاف السياقات، تشترك في الهدف الأساسي: تحرير الأرض والعودة إليها.
الصوت الروائي وأهمية السرد
من خلال صوت الراوي، “أحمد السلماوي”، تروي الرواية أحداثًا تمتد عبر عدة عقود من الزمن، منذ السبعينيات وحتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في أوائل الثمانينيات. الراوي، الذي يحدد من البداية منظوره السردي، يقدم حكاية هؤلاء الأشخاص الذين التقى بهم في مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان.
الرواية ليست مجرد سرد للأحداث، بل هي شهادة على مسيرة الشخصيات النضالية التي لم تتحقق تطلعاتها كما حلمت. تبرز الكتابة في هذه الرواية كوسيلة للحفاظ على ذاكرة النضال الفلسطيني، وتعكس الهموم والتحديات التي واجهتها تلك الشخصيات، بما في ذلك الشتات الذي عاشوه بعد الخروج من بيروت.
تُعد هذه الرواية بمثابة توثيق للأجيال الفلسطينية التي عاشرت النكبة وتحدت الاحتلال، بما تحمل من تساؤلات وآمال وأحلام لم تتحقق.

في رواية “نجوم ورفاقها”، تبرز العديد من القضايا الإنسانية التي تركز على التجربة الفلسطينية وتطرح العديد من الهواجس التي يواجهها الشعب الفلسطيني. واحدة من هذه القضايا هي معركة الحياة والموت التي تظهر بوضوح في الرواية من خلال تجارب الشخصيات التي فقدت أحباءها بسبب الاحتلال الإسرائيلي واغتيال أبنائها خلال مسيرة المقاومة.
الشخصيات في الرواية، بما في ذلك “نجوم الفاروقي” مديرة مدرسة الأشبال وأبناء الشهداء، تحمل هموم فلسطين بكل تفاصيلها. لقد شهدت هذه الشخصيات مآسي لا تعد ولا تحصى، مما جعل الموت جزءًا من حياتهم اليومية. يعكس هذا التداخل بين الحياة والموت الصراع المستمر للشعب الفلسطيني، حيث لا يبقى خيار سوى التضحية بالنفس من أجل الوطن.
يظهر ذلك في شخصية “أم محمد” التي فقدت زوجها وأبناءها، لكنها ظلت صامدة ومتماسكة في وجه الصعاب. قولها: “إذا لم نضحِ نحن فمن يضحي؟ نحن مثل الشجرة كلما قلّمتها ازدادت نموا وقوة” يعبّر عن فلسفة الفلسطيني في مواجهة الموت من أجل حياة أفضل للأجيال القادمة.
الرواية أيضاً تبرز قضية الهوية الفلسطينية وتدعو للحفاظ عليها في وجه محاولات الطمس والنسيان، من خلال ممارسات التعليم في مدرسة الأشبال، حيث يتم نقل القيم والمبادئ الفلسطينية للأجيال الجديدة. ورغم التهجير والشتات، تظل هذه الهوية حية في ذاكرة الأبطال، ويظل الأمل في العودة إلى الوطن.
وفي ختام الرواية، يترك الراوي النهاية مفتوحة على الاحتمالات، مشيرًا إلى أن الصراع الفلسطيني سيستمر حتى ينال الشعب الفلسطيني حريته وحقوقه المشروعة في وطنه.
[ad_2]