قلق خليجي من تداعيات قرارات ترامب الجمركية
أثارت الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالة من القلق في أوساط المستثمرين الخليجيين. يعود ذلك إلى الترابط العميق بين اقتصاد الخليج والأسواق العالمية، وهو ما يضاعف تأثير هذه السياسات على دول المنطقة.
تُصدّر دول الخليج، مثل السعودية والإمارات وقطر، مواد حيوية إلى الولايات المتحدة، أبرزها الألمنيوم والحديد. هذه الصادرات باتت عرضة لقيود جمركية قد تؤثر بشكل مباشر على الإيرادات ونمو الصناعات التحويلية.
تراجع النفط: الخطر الأكبر على الموازنات الخليجية
يرى خبراء أن أي تباطؤ اقتصادي عالمي نتيجة هذه الرسوم قد يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط. هذا الانخفاض يشكل ضغطًا كبيرًا على موازنات الدول المنتجة للنفط، ويهدد استقرارها المالي.
وقد فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية موحدة بنسبة 10% على واردات قادمة من دول الخليج، ما يضيف أعباء تجارية على اقتصاديات المنطقة.
العملات الخليجية والدولار: علاقة مترابطة تحمل مخاطر
الخبير المالي أحمد عقل، في حديثه لـ”نيوز عربي”، أشار إلى أن العملات الخليجية مرتبطة بالدولار الأميركي. هذا الربط يجعل أي تقلب في قيمة الدولار ينعكس مباشرة على اقتصادات الخليج.
وتوقّع عقل أن يستمر الدولار في التراجع إذا استمرت الحرب الجمركية، ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتجات الأميركية المستوردة إلى الخليج. وتشمل هذه المنتجات الهواتف الذكية، السيارات، والأجهزة الإلكترونية.
وقد انخفض الدولار أمام اليورو إلى 1.1383 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير 2022، كما تراجع أمام الفرنك السويسري إلى مستويات لم تُسجّل منذ 10 سنوات.
انخفاض الطلب على النفط يزيد الضغط
يتوقع عقل انخفاضًا إضافيًا في الطلب العالمي على النفط، ما قد يؤدي إلى تراجع أسعار الخام إلى مستويات أدنى من الحالية، والتي تعاني بالفعل من تذبذب حاد.
تراجعت أسعار خام برنت إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير 2021. كما سجلت خسائر أسبوعية جديدة بسبب المخاوف من تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ركود في أسواق المال الخليجية
يرى عقل أن أسواق المال الخليجية تمر بحالة من الركود، موضحًا أن الشركات القيادية في البورصات هي الأكثر عرضة للخطر، خاصة تلك التي تعتمد على النفط أو تتأثر بسعر صرف الدولار.
وتوقع أن تتأثر أرباح شركات البتروكيماويات والنفط بشكل مباشر إذا استمر تراجع الطلب على النفط. لكنه أشار أيضًا إلى فرصة للمستثمرين الخليجيين في شراء الأسهم العالمية المنهارة، ما قد يحقق لهم أرباحًا كبيرة في حال تعافي الاقتصاد العالمي.
مؤشرات الأسهم تتراجع رغم محاولات التعافي
من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي عبد الرحيم الهور في تصريح لـ”نيوز عربي” أن الأسواق الخليجية سجلت خسائر يومية كبيرة بعد إعلان ترامب فرض الرسوم الجمركية.
وشبّه هذه الخسائر بما حدث خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، مشيرًا إلى أن بعض الأسواق فقدت مليارات الدولارات في أيام قليلة.
وقد تراجعت معظم مؤشرات الأسهم الخليجية، قبل أن تشهد تعافيًا جزئيًا بعد إعلان ترامب تعليق بعض الرسوم المفروضة.
عزوف المستثمرين الأجانب… والذهب ملاذ آمن
أكد الهور أن حالة عدم اليقين دفعت المستثمرين الأجانب للعزوف عن دخول الأسواق الخليجية، وفضّلوا الاستثمار في أدوات آمنة مثل الذهب.
وأوضح أن تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الخليجية انخفضت بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة.
مرونة الاقتصاد الخليجي… لكنها لا تكفي وحدها
رغم الضغوط، يرى الهور أن الاقتصاد الخليجي يمتلك قدرًا من المرونة بفضل الفوائض المالية التي تراكمت خلال السنوات الماضية. لكنه شدد على ضرورة تسريع برامج التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على النفط وتحقيق الاستقرار المستقبلي.
الصين: شريك بديل يدعم الخليج
المحلل الاقتصادي الصيني نادر رونغ هوان قال لـ”نيوز عربي” إن الرسوم الأميركية ستدفع دول الخليج إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية مع الصين.
وأضاف أن بكين ستقدم بدائل تنافسية تسهم في تخفيف أثر الرسوم الأميركية على الخليج، مشيرًا إلى أن الصين ستستغل الفرصة لتقوية علاقاتها التجارية مع دول المنطقة.
تفاهمات محتملة بين واشنطن والخليج
يرى د. إد بيرتون، أستاذ الاقتصاد بجامعة فرجينيا، أن قرار ترامب فرض الرسوم الجمركية يحيط الأسواق العالمية بحالة من عدم اليقين. ورغم ذلك، يعتقد بيرتون بوجود إمكانية لتفاهمات اقتصادية بين واشنطن والعواصم الخليجية لتقليل الأضرار المحتملة.
وأكد في حديثه لـ”نيوز عربي” أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع دول الخليج، خاصة في مجالات الطاقة والاستثمار.