• Home  
  • الحواسيب الكمومية تحاكي تخليق أول جسيمات الكون
- علوم

الحواسيب الكمومية تحاكي تخليق أول جسيمات الكون

الحوسبة الكمومية تكشف أسرار خلق الجسيمات في الكون المبكر في إنجاز علمي غير مسبوق، نجح فريق من الباحثين في استخدام الحوسبة الكمومية لمحاكاة ظاهرة تخليق الجسيمات داخل “فضاء زمني متمدد”، وهي خطوة متقدمة نحو فهم آليات نشأة الكون. وتمت هذه المحاكاة باستخدام حواسيب كمومية طورتها شركة “IBM”، وجاءت نتائج الدراسة ضمن ورقة بحثية نُشرت في […]

GettyImages 1193495932 1683489199

الحوسبة الكمومية تكشف أسرار خلق الجسيمات في الكون المبكر

في إنجاز علمي غير مسبوق، نجح فريق من الباحثين في استخدام الحوسبة الكمومية لمحاكاة ظاهرة تخليق الجسيمات داخل “فضاء زمني متمدد”، وهي خطوة متقدمة نحو فهم آليات نشأة الكون. وتمت هذه المحاكاة باستخدام حواسيب كمومية طورتها شركة “IBM”، وجاءت نتائج الدراسة ضمن ورقة بحثية نُشرت في دورية Scientific Reports المتخصصة.

وقال ماركو دياز ماكيدا، الباحث في قسم الفيزياء النظرية بجامعة مدريد المستقلة والمؤلف الرئيسي للدراسة، في تصريحات خاصة لموقع نيوز عربي: “توفر نتائجنا إطارًا جديدًا لمحاكاة تخليق الجسيمات في اللحظات الأولى من عمر الكون، ما يمهد لفهم أعمق للعمليات الأساسية التي شكلت نسيج الزمكان”.

نحو نظرية موحدة بين الكم والنسبية

تمثل هذه المحاكاة الكمومية خطوة متقدمة في السعي نحو إيجاد “نظرية موحدة” تربط بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة، وهما النظريتان الأساسيتان اللتان تفسّران طبيعة الكون، لكن دون توافق بينهما حتى الآن. وتُعد هذه المسألة واحدة من أعقد التحديات في الفيزياء الحديثة.

قبل ظهور نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، كانت الجاذبية تُعتبر قوة تسحب الأجسام نحو بعضها. لكن أينشتاين أعاد تعريفها باعتبارها انحناء في نسيج الزمكان، وهو ما يفسر حركة الأجسام مثل دوران القمر حول الأرض.

وفي المقابل، تأتي ميكانيكا الكم لتشرح سلوك الجسيمات على المستوى الذري وتحت الذري. على هذا المستوى، تصبح قوانين الفيزياء غريبة ومخالفة للمنطق المألوف، حيث يمكن للجسيم أن يوجد في أكثر من مكان في الوقت نفسه، وتُصبح الاحتمالات بديلاً للثوابت.

لماذا يصعب توحيد النظريتين؟

الصعوبة في توحيد ميكانيكا الكم مع النسبية العامة تكمن في اختلاف النظرتين لطبيعة الزمكان. فبينما تصفه النسبية على أنه مستمر وانسيابي، تراه ميكانيكا الكم على أنه مكوّن من وحدات صغيرة، كقطع الليغو. هذا التناقض أدى إلى نتائج غير منطقية عندما حاول العلماء الدمج بين النظريتين.

ولهذا السبب، يسعى الفيزيائيون جاهدين للوصول إلى “نظرية كل شيء”، أي إطار رياضي موحد يشرح الجاذبية بشكل متوافق مع قوانين الكم. وقد يفتح هذا المجال لفهم أسرار كونية كبرى، مثل طبيعة الثقوب السوداء، والانفجار العظيم، وآلية خلق الجسيمات في اللحظات الأولى من عمر الكون.

مستقبل البحث

تفتح هذه التجربة المجال أمام استخدام الحوسبة الكمومية كأداة رئيسية في البحث العلمي، خاصة في مجالات الفيزياء النظرية وعلم الكونيات. ومع تطور هذه التكنولوجيا، قد نقترب أكثر من كشف الألغاز الكونية التي حيّرت العلماء لعقود.

خلال 13.8 مليار سنة استمر الكون في التوسع (شترستوك)

محاكاة كمومية للكون

في فيزياء الجسيمات، نحن معتادون أن الجسيمات تُخلق عبر تصادمات عالية الطاقة، ولهذا أنشأ العلماء مسرعات الجسيمات مثل الموجود في سيرن، ولكن في المحاكاة التي أجراها الفريق البحثي يتم تخليق الجسيمات فقط بسبب تمدد الفضاء نفسه، مما يُظهر أن هندسة الزمكان وحدها قادرة على إنتاج المادة، وهو مفهوم غير بديهي، وذلك يستدعي فهمه في إطار ميكانيكا الكم.

تخيل الكون كأنه بالون يتمدد كلما نفخته أكثر. عندما يتمدد، يمكن أن تظهر جسيمات صغيرة جديدة كأنها فقاعات هواء تظهر فجأة داخل البالون من الفراغ حيث تُخلق الجسيمات. أراد الباحثون في هذه الدراسة فهم كيفية ظهور تلك الجسيمات، لكن لا يمكن تجربة هذا في الواقع، لذا استخدموا حواسيب خاصة تسمى “الحواسيب الكمومية” لصنع محاكاة لهذه الظاهرة.

اختار الباحثون نموذجا معينا لوصف تمدد الكون، وهذا النموذج يشبه خريطة تُظهر كيف يتمدد الكون بطريقة متساوية في كل الاتجاهات، مما يساعد على فهم عملية خلق الجسيمات تلك ولكن من دون الحاجة إلى توحيد الكم والنسبية. كذلك استخدموا نوعًا خاصًّا من الجسيمات التي لا تدور حول نفسها، مثل الكرات الصغيرة جدًّا، لمعرفة كيف تتشكل الجسيمات عند تمدد الكون.

لتنفيذ هذه الفكرة، استخدم العلماء حاسوبًا كموميًّا قويًّا من شركة “آي بي إم” يحتوي على 127 جزءًا صغيرًا يسمى “كيوبتات”، وهي وحدات البناء في الكمبيوتر الكمومي. هذه الكيوبتات ساعدت في تمثيل الجسيمات التي تظهر في الكون المتمدد والذي سيُعرف في التجربة باسم الحقل الكمومي، مما أعطى العلماء طريقة جديدة لرؤية ما يحدث داخل هذا العالم الغامض!

LAS VEGAS, NEVADA - JANUARY 9, 2020: IBM Q System One Quantum Computer at the Consumer Electronic Show CES 2020
الحواسيب الكمومية تتمكن من معالجة المعلومات بسرعة هائلة مقارنة بالحواسيب التقليدية (شترستوك)

تحديات الضوضاء الكمومية… وكيف تم تجاوزها

رغم التقدّم الكبير في مجال الحوسبة الكمومية، إلا أنها لا تزال تعاني من بعض القيود التقنية، إذ تنتمي هذه التقنية حاليًا إلى ما يُعرف بـ”عصر الكم الوسيط الصاخب” (NISQ)، حيث تؤثر الضوضاء والتشويش والأخطاء التراكمية على دقة العمليات الكمومية.

وللتعامل مع هذه التحديات، أوضح ماركو دياز ماكيدا، الباحث الرئيسي في الدراسة، في تصريحات خاصة لـ نيوز عربي، أن الفريق استخدم فقط 4 كيوبتات – واحدة لكل حالة كمومية للحقل – ومع ذلك، فإن العدد الكبير من البوابات الكمومية المطلوبة لتنفيذ المحاكاة تسبب بتراكم الأخطاء. وأضاف: “اعتمدنا على تقنيات خاصة لتقليل الضوضاء الكمومية وتحسين دقة النتائج، وهو ما منحنا نتائج أكثر اتساقًا مع النماذج النظرية”.

كيف تعمل الكيوبتات؟

الكيوبت هو وحدة المعلومات الأساسية في الحوسبة الكمومية، لكنه يتميز عن “البت” التقليدي بقدرته على التواجد في أكثر من حالة في نفس الوقت (بفضل ظاهرة التراكب الكمي)، مما يتيح للحواسيب الكمومية أداء حسابات معقدة بسرعة هائلة مقارنة بالحواسيب التقليدية.

لزيادة دقة المحاكاة، أضاف الباحثون ضوضاء اصطناعية بطريقة مدروسة وقاموا بقياس تأثيرها، إلى أن نجحوا في استنتاج النتائج كما لو كانت في “بيئة خالية من الضوضاء”. وتم ترميز حالات الحقل الكمومي داخل الكيوبتات، مع تخصيص كل كيوبت لمستوى محدد من الإثارة.

ولتقريب الفكرة، تخيّل أن كل حالة كمومية تُشبه نغمة من نغمات البيانو – منخفضة، متوسطة، أو عالية – وكلما زادت طاقة الجسيم، زادت نغمة الإثارة الخاصة به. في هذه الدراسة، اعتمد الباحثون على 4 مستويات من الإثارة، وخصصوا لكل منها كيوبتًا محددًا داخل الحاسوب الكمومي.

تمثيل الكون المتمدد على الحاسوب الكمومي

باستخدام التقنيات المطورة من قبل البروفيسور كارلوس سابين، المشرف على الدراسة، نجح ماكيدا في تمثيل التطور الزمني للحقل الكمومي عبر عمليات مبرمجة بدقة على الكيوبتات. هذه العمليات تحاكي سلوك الجسيمات في الكون المتوسع، مما أتاح دراسة دقيقة لكيفية ظهور الجسيمات نتيجة تمدد الزمكان.

نتائج واعدة… وتأثيرات مستقبلية على علم الكونيات

نجحت المحاكاة الكمومية في تمثيل عملية تخليق الجسيمات بدقة عالية، حيث جاءت النتائج متوافقة بشكل كبير مع التوقعات النظرية، رغم الضوضاء التي شهدها النظام أثناء التشغيل. وتثبت هذه الدراسة أن الحوسبة الكمومية يمكن أن تكون أداة فعالة وواعدة لمحاكاة الظواهر الكونية المعقدة، خاصة في المراحل المبكرة من عمر الكون.

يعتقد الباحثون أن هذه التقنية قد تُحدث نقلة نوعية في علم الكونيات النظري، خاصة مع استمرار التطوير في دقة وأداء الحواسيب الكمومية. وفي هذا السياق، يضيف ماكيدا: “سبق أن استخدم فريق البروفيسور سابين الحوسبة الكمومية لمحاكاة ظواهر مثل التشابك الجاذبي، وتبخر الثقوب السوداء، وحتى البنية السببية للزمكان”.

تمثل هذه الدراسة إنجازًا مهمًا على طريق دمج ميكانيكا الكم في دراسة الكون، ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم ظواهر لم يكن بالإمكان رصدها تجريبيًا من قبل.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678