ي ممر ضيق بمستشفى النساء والتوليد داخل مجمع ناصر الطبي بخان يونس، جلست الشابة إسلام الشريف بملامح شاحبة وجسد أنهكه الحمل. كانت تتأمل بعينين مرهقتين وجوه النساء من حولها، وقد أيقنت أن معاناتها ليست استثناء، بل جزء من واقع مرير تعيشه كل حامل في غزة تحت الحصار والنار.
إسلام (26 عاماً) في شهرها التاسع، لديها طفلان، وتعيش مع عائلتها المكونة من عشرة أفراد في خيمة جنوب غربي خان يونس، بعد أن اضطرت للنزوح من مدينة رفح بسبب القصف الإسرائيلي العنيف والإنذارات المتكررة، ضمن ما يعرف بـ”محور موراغ”.
بعد عدة تجارب نزوح قسري، أصيبت الشريف بضغط الحمل. وبصوت مكسور، قالت لـنيوز عربي: “قبل الحرب، لم أكن أعاني من أي مشاكل صحية، الآن لا أشعر أنني بخير”.
تدهور صحي ونفسي شديد
تشعر الشريف بالخوف من الولادة القيصرية. تقول إنّها ليست مستعدة لاستقبال مولودها الجديد، فلا تملك ملابس ولا طعاماً ولا مستلزمات طبية. تضيف بأسى: “حياتنا سيئة للغاية، حتى جنيني تأثر بالسوء. وزنه أقل من الطبيعي، ولا ينمو منذ شهرين، والأطباء يرجعون السبب إلى سوء التغذية”.
إلى جانب ضعف عام، تعاني الشريف من ارتفاع بوظائف الكبد وانتفاخ بالجسد، وهو ما فاقمه الحصار الإسرائيلي الذي بدأ منذ 2 مارس/آذار، وتسبب في منع دخول المساعدات والمواد الغذائية.
الاحتلال يمنع إدخال اللحوم الطازجة والمجمدة ومشتقات الألبان، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية المتوفرة بشكل جنوني. وقد أصيبت الشريف أيضاً بجرثومة في المعدة نتيجة تناولها مياه ملوثة وأطعمة غير صحية.
قصص ولادة من قلب المأساة
تزداد مخاوف الشريف مع كل قصة تسمعها عن نساء عانين أثناء الولادة. إحدى هؤلاء، صباح أبو عزوم (30 عاماً)، أنجبت مؤخراً ابنتها “سهير”. لكنها خاضت تجربة قاسية، عانت خلالها من صعوبة في الولادة بسبب ضعف الطلق، وفقدت 16 كيلوغراماً من وزنها. تقول: “كانت الولادة الأصعب في حياتي، عانيت من ضغط مزمن، وانخفض معدل دمي إلى 9 درجات فقط”.
أثناء فترة حملها، نجا زوجها من غارة إسرائيلية أدت إلى مقتل أفراد من عائلته. وتقول: “نعاني من الجوع والخوف، والموت يطاردنا، فكيف نعيش كنساء حوامل في هذا الجحيم؟”.
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 90% من الحوامل والمرضعات في غزة يعانين من سوء تغذية حاد. هناك أكثر من 55 ألف حامل، ثلثهن في حالات حرجة، ويولد نحو 130 طفلاً يومياً، بينهم 27% بعمليات قيصرية و20% يعانون من مشاكل صحية عند الولادة.
ولادات محفوفة بالمخاطر
فوزية أبو كوش (31 عاماً) أنجبت توأمها “رنا” و”محمود” قبل شهرين. تقول إن الولادة كانت مؤلمة، وتدهورت حالتها الصحية وحالة طفليها. الأطباء في مستشفى خاص قرروا نقل التوأم إلى مجمع ناصر بسبب مضاعفات خطيرة، من بينها التهابات صدرية وجرثومة في الدم. السبب كما حدده الأطباء: سوء تغذية الأم، وعدم قدرتها على الرضاعة الطبيعية.
أبو كوش تعيش في خيمة بمواصي خان يونس بعد نزوحها من رفح، وتقول لـنيوز عربي: “ولادتي كانت صعبة جداً، واضطر الأطباء لإعطائي وحدات دم. بعد الولادة، تدهورت صحتي وصحة التوأم”.
آثار جسدية ونفسية ممتدة
الدكتورة شيرين العلوي، أخصائية نساء وتوليد، تؤكد أن معدلات الإجهاض مرتفعة في غزة، خاصة في الثلث الأول من الحمل. تقول لـنيوز عربي: “من بين كل 10 مواليد، هناك 7 يعانون من انخفاض في الوزن”. تضيف أن أغلب الأمهات يعانين من نقص الحديد وضعف حاد في الدم، مما يؤدي إلى التعب والدوخة، وقد يسبب صعوبة في الولادة الطبيعية ويزيد من الحاجة للعمليات القيصرية.
مع استمرار الحصار، يمتد أثر سوء التغذية ليشمل فترة ما بعد الولادة. كثير من الأمهات مجبرات على تناول ما هو متاح من طعام غير صحي، مما يؤدي لتدهور صحتهم وصحة أطفالهم.
قسم جديد في غزة يستقبل يومياً أكثر من 350 حالة سوء تغذية لدى الأطفال من عمر 6 أشهر حتى 6 سنوات. وتقول الدكتورة فداء النادي، أخصائية أطفال، لـنيوز عربي: “النقص الحاد في الغذاء والماء النظيف تسبب في التهابات بالجهازين الهضمي والتنفسي لدى الأطفال، ويؤثر سلباً على نموهم ومناعتهم”.