• Home  
  • نظام التحكيم الاستثماري.. كيف حمت الدول الغربية مستثمريها بعد الاستعمار؟
- ثقافة

نظام التحكيم الاستثماري.. كيف حمت الدول الغربية مستثمريها بعد الاستعمار؟

“انقلاب صامت”: كيف تُخضع الشركات العابرة للقارات سيادة الدول؟ في قلب العاصمة الأميركية واشنطن، وتحديدًا في شارع “كيه ستريت” المعروف بكونه معقلًا لجماعات الضغط والنفوذ، دارت بين عامي 2009 و2016 معركة قانونية شديدة الوطيس بين دولة السلفادور وشركة التعدين الكندية “باسيفيك ريم”، وذلك أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. لكن القضية لم تكن مجرد خلاف […]

بقسبسيقي 1742724888

“انقلاب صامت”: كيف تُخضع الشركات العابرة للقارات سيادة الدول؟

في قلب العاصمة الأميركية واشنطن، وتحديدًا في شارع “كيه ستريت” المعروف بكونه معقلًا لجماعات الضغط والنفوذ، دارت بين عامي 2009 و2016 معركة قانونية شديدة الوطيس بين دولة السلفادور وشركة التعدين الكندية “باسيفيك ريم”، وذلك أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. لكن القضية لم تكن مجرد خلاف قانوني حول ترخيص منجم، بل شكّلت نموذجًا صارخًا لصراع عالمي أوسع: سيادة الدول في مواجهة تغول الشركات متعددة الجنسيات.

كتاب يكشف ملامح الهيمنة القانونية

انطلاقًا من هذه القضية المفصلية، يستعرض الصحفيان البريطانيان كلير بروفوست ومات كينارد في كتابهما الجديد “انقلاب صامت: كيف أطاحت الشركات بالديمقراطية”، الصادر عن منتدى العلاقات الدولية بترجمة أيمن حداد، كيف أصبحت الشركات الكبرى تمتلك نفوذًا قانونيًا واقتصاديًا يضع الديمقراطيات في مأزق.

الكتاب يتكون من 20 فصلًا مكثفًا مبنيًا على بحث ميداني واسع في 25 دولة، وعلى أرشيف ضخم واجه الكاتبان صعوبات كبيرة في الوصول إليه. ما يكشفه هذا العمل الاستقصائي لا يقتصر على قضية السلفادور، بل يشمل شبكة عالمية من السياسات والهياكل القانونية التي تتيح للشركات مقاضاة الدول أمام محاكم دولية خاصة، بدلًا من اللجوء إلى أنظمتها القضائية الوطنية.

شركات تُغير القوانين الوطنية

يوضح الكاتبان كيف أدّت هذه الأنظمة القانونية الجديدة إلى فرض تغييرات في قوانين الدول لصالح المستثمرين الأجانب، في سابقة تهدد استقلالية القرار السياسي والسيادة التشريعية. ففي ظل ما يُعرف بـ”آليات تسوية النزاعات بين المستثمر والدولة”، تجد الدول نفسها مجبرة على التراجع عن قرارات سيادية — مثل حماية البيئة أو حقوق العمال — خوفًا من دعاوى بمليارات الدولارات ترفعها شركات عملاقة.

الكتاب يضع الديمقراطية في الميزان

يمثل “انقلاب صامت” شهادة موثقة على ما يسميه المؤلفان بـ”تحول صامت في موازين القوة العالمية”، حيث لم يعد الرأي العام، أو البرلمانات، أو حتى القضاء الوطني، هو المرجع الأعلى للقرارات، بل أصبحت الشركات العابرة للقارات تمتلك مفاتيح التأثير والتغيير، مستندة إلى قوانين دولية صيغت بما يخدم مصالحها.

صوت بديل في زمن العولمة

تنقل “نيوز عربي” عن الكاتبين أن هذا الواقع يشكّل تهديدًا صريحًا لمفاهيم السيادة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويستدعي حوارًا عالميًا جديدًا حول مستقبل العولمة والحوكمة الدولية.

قاد المحتجون حراكًا تحت شعار “لا للتعدين، نعم للحياة”، واجهوا خلاله العنف والترهيب، حتى دفع بعضهم حياته ثمنًا 

قصة مقاومة من السلفادور: منجم “إل دورادو” يتحول إلى رمز للنضال ضد الاستعمار الاقتصادي

في معركة قانونية استمرت سنوات، واجهت السلفادور واحدة من أشرس قضايا التحكيم الدولي، عندما رفعت شركة التعدين الكندية “باسيفيك ريم” (المعروفة اليوم بـ”أوشيانا غولد”) دعوى تطالب فيها بتعويض ضخم قدره 250 مليون دولار. زعمت الشركة أن الحكومة السلفادورية انتهكت قوانين الاستثمار الدولية بعد رفضها منْح ترخيص لتعدين الذهب في منجم “إل دورادو”، ما حرمها — حسب تعبيرها — من “الفوائد الاقتصادية المتوقعة”.

لكن موقف الحكومة السلفادورية كان واضحًا: الشركة لم تستوفِ الشروط القانونية، والموافقة على المشروع كانت ستعرض البيئة وموارد المياه الحيوية للخطر. هذا الرفض لم يكن قرارًا بيروقراطيًا فحسب، بل أصبح شرارة لنضال شعبي واسع النطاق.

“لا للتعدين، نعم للحياة”

تحوّل منجم “إل دورادو” إلى رمز وطني للمقاومة ضد النفوذ الأجنبي. قاد السلفادوريون حراكًا جماهيريًا تحت شعار “لا للتعدين، نعم للحياة”، واجهوا خلاله الترهيب والعنف وحتى الاغتيالات. ورغم التضحيات الجسيمة، واصل الناشطون نضالهم في الشارع وفي المحاكم وفي الإعلام، حتى أعلنت الحكومة عام 2017 حظرًا رسميًا على التعدين، لتصبح السلفادور أول دولة في العالم تتخذ مثل هذا القرار التاريخي.

نصر قانوني… ورسالة إلى العالم

رغم انتصار السلفادور في التحكيم، كشفت القضية عن أزمة أعمق: صدام دائم بين اتفاقيات الاستثمار العابرة للقارات وحق الدول في اتخاذ قراراتها السيادية. بالنسبة لكثيرين من أبناء السلفادور، مثل هذه الشركات تمثل شكلاً معاصرًا من الاستعمار الاقتصادي، يُقوّض الاستقلال ويهدد الديمقراطية.

درس عالمي في زمن الرأسمالية المتوحشة

تنقل “نيوز عربي” عن مؤلفَي كتاب “انقلاب صامت” أن قضية السلفادور مثال صارخ على قدرة الشعوب على مقاومة نفوذ الشركات العابرة للقارات، حتى في أكثر الظروف صعوبة. فبينما يُظهر الكتاب كيف تُخضع هذه الشركات الحكومات لسلطتها، يؤكد أيضًا أن المقاومة ممكنة، وأن الفشل ليس قدرًا محتومًا.

(GERMANY OUT) Hermann Josef Abs, manager Deutsche Bank AG (Photo by Wolfgang Kunz/ullstein bild via Getty Images)
المصرفي الألماني هيرمان جوزيف آبس 

لحظة تأسيس نظام التحكيم الاستثماري: من سان فرانسيسكو إلى عالم الشركات العابرة للقارات

في عام 1957، اجتمع بعض من أقوى رجال المال والأعمال في العالم في فندق “فيرمونت” في سان فرانسيسكو لتأسيس نظام التحكيم الاستثماري الدولي، الذي بات يشكل جوهر الصراعات القانونية اليوم بين الدول والشركات الكبرى. كان من أبرز الحضور هيرمان جوزيف آبس، المصرفي الألماني الذي دعا إلى إنشاء نظام يحمي مصالح المستثمرين الأجانب في وقت كان فيه العالم يشهد صعود حركات الاستقلال الوطني والقومية الاقتصادية.

النظام الجديد: “ماجناكارتا رأسمالية”

في مواجهة حركات الاستعمار الجديد وتزايد التأميمات في المستعمرات السابقة، مثل غواتيمالا وقناة السويس، برزت فكرة آبس لإنشاء إطار قانوني دولي يحمي الشركات من تهديدات تأميم الأصول. أصبحت اتفاقية “آبس-شوكروس” لاحقًا الأساس الذي بُني عليه نظام التحكيم الدولي الحالي، الذي يمنح الشركات الأجنبية القدرة على مقاضاة الدول مباشرة في هيئات تحكيمية دولية.

“بزنس” المساعدات الدولية: بين الشركات والمجتمعات

في جانب آخر، يكشف الكتاب عن فضيحة من نوع آخر في صناعة المساعدات الدولية. ففي معرض “إيدإي إكس” لعام 2014 في بروكسل، جرى عرض منتجات الشركات الخاصة التي تتنافس على عقود المساعدات الخارجية، حيث عرضت شركات أمنية وعسكرية وأخرى متخصصة في توفير الخيام والموارد الإنسانية. بدلاً من أن تكون المساعدات موجهة بشكل مباشر إلى المحتاجين، تمر عبر شبكات من الشركات الكبرى والمتعاقدين، مما يساهم في تعزيز مصالح الشركات الخاصة على حساب الفقراء.

فضيحة “سد بيرغاو” والتداعيات السياسية

وفي هذا السياق، تعرض حكومة تاتشر لفضيحة في ماليزيا عندما تبين أن ما تم الترويج له كـ “مساعدات” بريطانية كان في الواقع عقدًا سريًا لشراء أسلحة وطائرات عسكرية. هذه الفضيحة سلطت الضوء على استغلال المساعدات لتحقيق مصالح استراتيجية وسياسية ضيقة.

التوترات العرقية والتحكيم الدولي

وفي فصل آخر من الكتاب، تتناول قضية رفعها مستثمرون إيطاليون ضد جنوب أفريقيا في 2006، اعتراضًا على قوانين التمكين الاقتصادي للسود التي فرضت على الشركات الأجنبية تخصيص جزء من ملكيتها للمواطنين السود. وعلى الرغم من أن جنوب أفريقيا كانت تسعى لتصحيح أثر الفصل العنصري، إلا أن المستثمرين تمكنوا من فرض صفقة تُخفض نسبة الملكية المنقولة من 26% إلى 5% فقط.

المقاومة والاحتجاج: مقاومة الهيمنة الاقتصادية

وسط هذه الأحداث القاسية، يقدم كتاب “انقلاب صامت” إشادة بالمقاومة الشعبية ضد سيطرة الشركات العابرة للقارات. في الأرجنتين، عاد العمال إلى تشغيل الفنادق والشركات التي كانت قد تم الاستيلاء عليها، وفي بوليفيا، عمل الرئيس إيفو موراليس على مواجهة الهيمنة الاقتصادية الغربية على الموارد الطبيعية. الكتاب يدعو أيضًا إلى استعادة الصحافة لدورها الرقابي في محاسبة الشركات الكبرى وكشف فسادها.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678