مئذنة علي.. تحفة سلجوقية تروي تاريخ أصفهان وتستقطب السياح من حول العالم
تُعد “مئذنة علي”، التي تعود إلى العصر السلجوقي، من أبرز المعالم التاريخية والمعمارية في مدينة أصفهان الإيرانية، وتشكّل محطة رئيسية ضمن الوجهات السياحية التي يقصدها الزوار المحليون والأجانب على حد سواء، بفضل عمقها التاريخي وروعة تصميمها ودقة فنها المعماري.
وتتميّز أصفهان، التي كانت يوماً عاصمة لعدد من الإمبراطوريات العظيمة، وفي مقدمتها الدولة السلجوقية، بأنها موطن غنيّ بالمعالم التاريخية التي تعود إلى قرون خلت، وتُجسّد عبق الماضي المجيد من خلال أبنيتها وقصورها ومساجدها.
ويعود تشييد مئذنة علي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، خلال فترة حكم السلاجقة، وهي من المعالم التي تضفي على أفق المدينة طابعاً مميزاً. ورغم مرور مئات السنين، لا تزال المئذنة شامخة وسط نسيج من الأبنية الأثرية، ما يجعلها واحدة من العلامات الفارقة في المشهد العمراني لأصفهان.
وتتميّز هذه المئذنة بطابعها الفريد، حيث تُعد من أعلى الأبنية التاريخية في المنطقة، وتلفت الأنظار بتصميمها المتقن وجمالها الباهر، الذي يعكس الذوق الرفيع لفن العمارة السلجوقية. ويبرز هذا الفن في استخدام الأحجار والزخارف الفسيفسائية المتقنة، التي تمثل دقة التفاصيل وروعة الإبداع الإسلامي آنذاك.
وبفضل هذه الخصائص المعمارية الفريدة، تحظى “مئذنة علي” بمكانة مرموقة بين المعالم السياحية في إيران، وتُصنّف كإحدى أجمل المآذن السلجوقية المحفوظة حتى يومنا هذا، حيث تقف شامخة كشاهدٍ على عظمة الحضارة الإسلامية القديمة، وفق ما أفادت به نيوز عربي.

مآذن بلا مساجد
وفي حديث للأناضول، قالت بهار كربلائي، خبيرة بوزارة التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية الإيرانية في أصفهان، إن المئذنة خضعت لعدة عمليات ترميم خلال العصرين الصفوي والقاجاري، مع الحفاظ على شكلها الأصلي.
وأوضحت كربلائي أن المآذن في ذلك العصر كانت تُبنى بشكل مستقل عن المساجد.
وأضافت: “في تلك الحقبة، كانت هناك مئذنة في مدخل كل حي دون أن تكون مرتبطة بأي مسجد. ومع مرور الزمن، بدأ بناء المساجد حول هذه المآذن، مما جعلها جزءا لا يتجزأ منها”.
وأشارت إلى أن القسم الأول من المئذنة يحمل آية من سورة آل عمران، بينما يتكون القسم الثاني من طوب منقوش بزخارف فريدة، ويتميز القسم الثالث بزخارف طوبية تحيط بكامل هيكلها.
وتابعت كربلائي: “تنتهي المئذنة في الأعلى إلى شكل مقبب يتوّج هذا التصميم المعماري. وتوجد في قاعدة القبة نقوش قرآنية، إلى جانب شريط كتابي يحمل تاريخ 929 هـ”.
وتتميز القبة بطلائها الخزفي، في حين تم بناء غرفة الصلاة الشتوية للمسجد تحت مستوى سطح الأرض، بتصميم معماري مميز للغاية، وفق الخبيرة كربلائي.

تحفة معمارية
بُنيت المئذنة في عهد السلطان سنجار، سلطان الدولة السلجوقية بين عامي 1118 و1157، حيث يُستدلّ على تاريخها من خلال أسلوب وتقنيات بنائها، وأبعاد الطوب الذي شُيّدت به.
وتقع المئذنة في شارع “هارونية” بالقرب من “ميدان كهنة” الذي يعود تاريخه إلى العصر السلجوقي.
وبشكل ملاصق للمئذنة، كان هنالك مسجد تاريخي تعرض للهدم، ليُبنى مكانه “مسجد علي” في العهد الصفوي، والذي يعتبر واحدا من أروع المساجد في المدينة.
وتتكوّن المئذنة من 3 أقسام تتناقص تدريجيًا في الحجم كلما ارتفعت نحو الأعلى.
وعلى هيكلها شرفتان مزخرفتان، بينما تزين جدرانها نقوش هندسية مشيدة من الطوب.
وتظهر تحت الشرفتين أشكال نجوم نصفية، تتخللها زخارف متعددة الأضلاع متقنة التصميم.

نقوش كوفية
وعلى جدران المئذنة، تلفت الأنظار 4 سطور منقوشة بالخط الكوفي، حيث جرى نقشها باستخدام الطوب.
وتتضمن الكتابات آيات من القرآن الكريم وكلمة التوحيد، بينما تفصل بينها زخارف هندسية تجمع بين الأشكال متعددة الأضلاع والنجوم.
وكان الارتفاع الأصلي للمئذنة نحو 54 مترا، لكنه تقلّص مع مرور الزمن بمقدار مترين تقريبا.
كما تملك المئذنة حاليا أكثر من 160 درجة تؤدي إلى الشرفة العليا، ويضيق قطرها تدريجيا من 6 أمتار في القاعدة إلى حجم أصغر عند القمة.