• Home  
  • “فديتك زائرًا في كل عام”.. الرمضانيات في الشعر العربي
- ثقافة

“فديتك زائرًا في كل عام”.. الرمضانيات في الشعر العربي

الرمضانيات في الأدب العربي: لوحات شعرية تعكس روحانية الشهر الكريم لم يكن الأدباء والشعراء عبر التاريخ العربي ليغفلوا عن مناسبة عظيمة مثل شهر رمضان المبارك، فقد تناولوه في قصائدهم وأدبياتهم، مسلطين الضوء على جمالياته وطقوسه، وعلى اختلاف الناس في الاحتفاء به وتأدية شعائره. إذ يتمتع هذا الشهر بخصوصية مجتمعية تفرض وجودها على مختلف فئات المجتمع، […]

Firefly 20250324135050 1742813489

الرمضانيات في الأدب العربي: لوحات شعرية تعكس روحانية الشهر الكريم

لم يكن الأدباء والشعراء عبر التاريخ العربي ليغفلوا عن مناسبة عظيمة مثل شهر رمضان المبارك، فقد تناولوه في قصائدهم وأدبياتهم، مسلطين الضوء على جمالياته وطقوسه، وعلى اختلاف الناس في الاحتفاء به وتأدية شعائره. إذ يتمتع هذا الشهر بخصوصية مجتمعية تفرض وجودها على مختلف فئات المجتمع، مسلمين وغير مسلمين على حد سواء.

ما هي الرمضانيات في الشعر العربي؟

يطلق على القصائد التي تتناول شهر رمضان وتدور في فلكه اسم “الرمضانيات”، ويعتبرها بعض النقاد لونًا شعريًا مستقلًا، نظرًا لارتباطها بمجموعة من الأفكار الثابتة التي تتعلق بشعيرة الصيام وتأثيرها على النفس الإنسانية. وتتسم هذه القصائد بخصائص فنية وأسلوبية متميزة تجعلها فريدة في الشعر العربي.

تمثل هذه القصائد مرآة تعكس الروح الإيمانية لدى الشعراء، حيث يعبرون من خلالها عن أحاسيسهم ومكنونات نفوسهم في ظل هذا الشهر الكريم، كما تتناول أثر الصيام في تهذيب النفس، وكبح الشهوات، وإعلاء القيم الروحية فوق النزعات المادية، ما يجعل رمضان فرصة للتطهر والانعتاق من قيود الدنيا.

الرمضانيات بين الشعر الديني والزهد

تندرج الرمضانيات ضمن الشعر الديني، حيث تصوّر تفاعل المسلمين مع أجواء الشهر الفضيل. وهي في جوهرها قصائد دينية وصفية، ترصد حال الصائم وتأثير الصيام على روحه ونفسيته، إذ يشكل رمضان بالنسبة للمسلم رحلة إيمانية تسهم في إعادة ترتيب الأولويات، وتمنح توازنًا نفسيًا في ظل زخم الحياة الحديثة.

كما تحمل الرمضانيات طابعًا وعظيًا وحِكَمِيًا، وتستلهم أحيانًا السرد القصصي التعليمي، ما يجعلها أقرب إلى الشعر الزهدي الذي يدعو إلى التمسك بالقيم الروحية والتخلي عن الدنيا وملذاتها.

ومن أبرز الموضوعات التي تناولتها الرمضانيات:

  • فضائل الشهر الكريم وما خصّه الله به من مضاعفة للأجر والثواب.
  • أجواء استقبال رمضان، حيث يترقبه الناس بفرح وابتهاج.
  • حزن الفراق عند انتهاء الشهر، إذ يشعر المسلم بخسارة روحانية كبيرة بعد رحيله.

هلال رمضان في الشعر العربي

يحتل هلال رمضان مكانة مميزة في وجدان الأمة الإسلامية، إذ يُنظر إليه كبشارة خير تُطل على العالم الإسلامي كل عام. ويحظى أيضًا بحضور قوي في الشعر العربي، حيث احتفى به الشعراء عبر العصور، وعبّروا عن فرحتهم بقدومه.

فها هو البحتري يرحب بالشهر الكريم بقوله:

قم نبادر بها الصيام فقد
أقمر ذاك الهلال من شعبان

أما الشاعر الأندلسي ابن حمديس الصقلي، فقد وصف الهلال برؤية شاعرية مبدعة، قائلاً:

قلت والناس يرقبون هلالا
يشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائمًا فذا رمضان
خط بالنور للورى أول اسمه

وفي قصيدة (هلال رمضان) المنسوبة إلى الشاعر أحمد شوقي، نجد احتفاءً بالغًا بقدوم الشهر المبارك:

يا هلال الصيام مثلك في السامين
للعز من طوى الأفلاكا
مرحبًا للثواب منك وأهلاً
بليالٍ جمالها لقياكا

أما الأديب مصطفى صادق الرافعي، فقد أبدع في وصف الهلال، قائلًا:

فديتك زائرًا في كل عام
تحيي بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حينا
ويبقى بعده أثر الغمام

رسائل شعرية لحث المسلمين على اغتنام الشهر الفضيل

نظرًا لقيمة رمضان الروحية، نجد العديد من الشعراء يدعون المسلمين لاستغلال أيامه ولياليه في العبادة والاستغفار والعودة إلى الله، كما يظهر في قول أبو عبد الله الأندلسي:

هذا هلالُ الصومِ من رمضان
بالأفق بان فلا تكن بالواني
وَا فاَك ضيفًا فالتزمْ تعظيمه
واجعلْ قِراه قراءة القرآنِ

رمضان.. فرصة للروح قبل الجسد

إلى جانب كونه موسمًا للطاعة والعبادة، يعد رمضان أيضًا فرصة للراحة النفسية والتوازن الروحي، حيث يمنح الصائم قدرة على التصالح مع ذاته، في ظل الضغوط المادية التي تهيمن على الحياة العصرية.

إن الرمضانيات ليست مجرد قصائد عن الصيام، بل هي لوحات شعرية روحانية تعكس تأثير هذا الشهر العظيم في نفوس المسلمين، وتخلّد عبر الأزمان أجواء رمضان الروحانية والتربوية والاجتماعية، ما يجعلها جزءًا أساسيًا من تراثنا الأدبي والديني.

Faithful pray during Laylat al-Qadr in Casablanca, Morocco June 11, 2018. REUTERS/Youssef Boudlal
يقول الشاعر الشيخ أحمد سحنون في قصيدة واصفا جمال أثر الصيام في وجوه الصائمين “وعلى الوجوه نضارة الإيمان … يا للجمال يشع في “رمضان”” (رويترز)

فضائل شهر رمضان في الشعر العربي: إلهام روحاني وانتصارات تاريخية

يحتل شهر رمضان المبارك مكانة استثنائية في قلوب المسلمين، حيث يتجلى فيه الصفاء الروحي والطهر النفسي، كما يشهد هذا الشهر العديد من الأحداث التاريخية والانتصارات الإسلامية التي خلدها الشعراء عبر العصور. ومن خلال الرمضانيات، عبّر الأدباء عن عظمة هذا الشهر، ووصفوا أثر الصيام في النفس، إلى جانب تسليط الضوء على الفتوحات والانتصارات الإسلامية التي حققتها الأمة الإسلامية خلال أيامه المباركة.

رمضان.. الطبيب المداوي لنفوس العابدين

في فضل رمضان وأثره العظيم، شبّهه الشاعر الشيخ أحمد سحنون بالطبيب الذي يعالج أسقام القلوب، وبالغيث الذي يروي عطش الروح، حيث يقول:

رمضان ما رمضان عهد حضارة
بعطائها زخرت كبحر زاخر
رمضان عنوان الكمال لأمة
صُنعت على عين الحكيم القادر

ويصف جمال الصيام وأثره في النفوس الطاهرة:

وعلى الوجوه نضارة الإيمان
يا للجمال يشع في رمضان
رمضان شهر البر والإحسان
رمضان شهر الصوم والقرآن

انتصارات إسلامية خالدة في رمضان

لم يكن رمضان شهرًا للعبادة فحسب، بل شهد أعظم الفتوحات الإسلامية، منها غزوة بدر الكبرى التي وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، وفتح مكة في العاشر من رمضان عام 8 هـ، ومعركة القادسية التي دارت رحاها في رمضان عام 15 هـ بقيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص.

يقول الشيخ أحمد سحنون متحدثًا عن هذه الفتوحات العظيمة:

أي شهر قد ساد كل الشهور
فتجلى في حلة من نور
وتوالت فيه الفتوحات وانجابت
عن الكون حلكة الديجور

رمضان.. شهر القرآن والتزكية الروحية

يُعد رمضان شهر الهداية والتوبة، إذ اختصه الله بإنزال القرآن الكريم، كما تُصفّد فيه الشياطين، ليكون الإنسان في اختبار روحي حقيقي مع نفسه، بعيدًا عن وساوس الشر والإغواء.

يقول الشاعر متحدثًا عن هذه الفضائل:

والشياطين صفدت فهي لا تغوي
وتغري بكل إفك وزور
أي شهر غير الذي أنزل
القرآن فيه فكان خير الشهور

رمضان.. أمنية دائمة في قلوب العابدين

نظرًا لروحانيته العالية، تمنّى الكثير من الشعراء لو أن رمضان يدوم طوال العام، لما فيه من خير وبركة وصفاء نفسي، وهو ما عبّر عنه الشاعر تميم الفاطمي في قوله:

يا ليت شهرك حولٌ غير منقطع
ولـيت ظلك عنّا غير منتقل

الصائمون في انتظار الإفطار.. ترقب وشوق

وفي صورة شعرية بديعة، يرصد أحد الشعراء حالة الصائمين عند المغيب، وهم في انتظار أذان المغرب بلهفة، حيث يقول:

جعلت الناس في وقت المغيب
عبيد ندائك العاتي الرهيب
كما ارتقبوا الأذان كأن جرحًا
يعذبهم، تلفَّت للطبيب

The faithful pray during Laylat al-Qadr during the holy month of Ramadan, in Sale early July 14, 2015. Laylat al-Qadr (Night of Decree) is the anniversary of the night Muslims believe the Koran was revealed to Prophet Mohammad by the angel Gabriel. REUTERS/Stringer
لليلة القدر نصيب كبير من الرمضانيات فيقول الشاعر أحمد مخيمر “أنت في الدهر غرة وعلى الأرض سلام وفي السماء دعاء” (رويترز)

الرمضانيات في الشعر العربي: مزيج من المدح والتأمل الروحي

لم يكن شهر رمضان مجرد موضوع مستقل في الشعر العربي، بل امتزج مع أغراض شعرية أخرى، مثل المديح والتهنئة والرثاء، حيث استلهم الشعراء معاني الورع والتقوى عند مدح الخلفاء والأمراء، كما استغلوا روحانيات الشهر للتعبير عن التأملات الإيمانية والتجارب الروحية العميقة، خاصة في ليلة القدر.

رمضان والمديح في الشعر العربي

لجأ الشعراء إلى توظيف شهر رمضان عند مدح الخلفاء والسلاطين، مشيدين بتقواهم وورعهم، حيث كان الصيام والعبادة رمزًا للإخلاص والتقوى. وفي هذا السياق، قال الشاعر ابن أبي حصينة في مدح أحد الخلفاء:

صِيامكَ للمهيمن ذي الجلال
وفطرك للمكارم والمعالي
فيومٌ للتُقى ولنَيلِ أجرٍ
ويَومٌ للمَواهب والنِزالِ

واستخدم بعض الشعراء المبالغة في المدح، فشبهوا فضل الممدوح بفضل رمضان، وفضل ليلة القدر على باقي الليالي، كما قال الصنوبري:

نلت في ذا الصيام ما ترتجيه
ووقاك الإله ما تتقيه
أنت في الناس مثل ذا الشهر في الأشهر

أما الشاعر البحتري فقد استخدم رمضان كأداة للتهنئة في قصيدة مدح فيها الخليفة العباسي المعتصم بالله بمناسبة حلول الشهر الكريم، فقال:

بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر

ليلة القدر في الشعر العربي: ليلة الرجاء والتغيرات الكبرى

تحظى ليلة القدر بمكانة رفيعة في الرمضانيات، إذ تشكل لحظة روحانية فريدة ينتظرها المسلمون بشوق آملين في نيل المغفرة والرحمة. وقد وصف الشاعر أحمد مخيمر هذه الليلة المهيبة قائلًا:

ليلة القدر عندهم فرحة العمـر
تدانت على سناها السماء
وإذا الكون فرحة تغمر الخلـق
إليه تبتل الأتقياء
وإذا الأرض في سلام وأمن
وإذا الفجر نشوة وصفاء

أما الشاعر محمد العيد آل خليفة فقد خاطب نفسه حاثًا إياها على التهجد والتضرع في العشر الأواخر من رمضان، فقال:

تهجدي في الليالي العشر وارتقبي
في ليلة القدر ما يسخو به القدر
ولا تكوني بطيب الورد قانعة
لا يحمد الورد حتى يحمد الصدر

المسحراتي في القدس..إحياء التراث محفوف بالمخاطر
جاء اسم القوما من قول بعض المسحرين: “نياما قوما .. قوما للسحور” (الأناضول)

فن القوما: الشعر الرمضاني الشعبي المرتبط بالتسحير

يُعَدُّ فن القوما أحد أبرز أشكال الشعر الشعبي الرمضاني، وقد نشأ في العصر العباسي في بغداد ثم انتقل إلى القاهرة، حيث ارتبط بشكل وثيق بالتسحير، أي إيقاظ الناس للسحور خلال ليالي شهر رمضان.

القوما وأدبيات التسحير

اعتمد هذا الفن على اللهجة الدارجة وأصبح جزءًا من التراث الشعبي الرمضاني، حيث كان المسحراتي يجوب الشوارع منشدًا أبياته بطريقة إيقاعية، مستخدمًا الدف أو الطبل لإيقاظ الناس. وتعود تسميته بـ “القوما” إلى نداء المسحراتي:

نياما قوما .. قوما للسحور

الوزن الشعري في القوما

نُظمت أشعار القوما على مجزوء الرجز، وكانت تتبع في الغالب وزنين مختلفين:

  1. تركيبة رباعية: تتكون من أربعة أشطر، تتحد الثلاثة الأولى في الوزن والقافية، بينما يكون الرابع أطول نسبيًا وبدون قافية.
  2. تركيبة متوازنة: جميع الأشطر تتبع نفس القافية والوزن.

موضوعات القوما

تناولت أشعار القوما المواعظ الدينية، وحثّت السامعين على الصلاة والقيام والتوبة، كما خاطبت وجدان الناس بلغة بسيطة تحثهم على الاستيقاظ للسحور واغتنام الشهر الكريم.

أصل القوما وتأثيره في الشعر العربي

وفقًا لما ذكره الأبشيهي في كتابه “المستطرف في كل فن مستظرف”، فإن أول من نظم هذا اللون الشعري هو أبو بكر محمد بن عبد الغني المعروف بـ ابن نقطة (629هـ)، الذي أبدع في صياغة قصائد تمتاز بطرافتها وخفة إيقاعها. وقد تأثر بهذا اللون العديد من الشعراء، مثل صفي الدين الحلي الذي وظّفه في بعض أشعاره.


الشكوى من الصيام في فصل الصيف في الشعر العربي

على الرغم من قدسية شهر رمضان، لم يتردد بعض الشعراء في التعبير عن معاناتهم مع الصيام، خاصة عندما كان يأتي في فصل الصيف حيث يطول النهار ويشتد العطش. ومن ذلك قول الشاعر ابن الرومي بفكاهة لاذعة:

شهر الصيام مباركٌ .. ما لم يكن في شهر آبْ
خفت العذاب فصمته .. فوقعت في نفس العذابْ

أما الشاعر عمر بهاء الدين الأميري، فقد رفض هذه الشكوى، معتبرًا أن رمضان يمنح القوة والإيمان حتى مع التقدم في السن، فقال:

قالوا: سيتعبك الصيام وأنت في السبعين مضنى
فأجبت: بل سيشد من عزمي ويحبو القلب أمنا
رمضان عافية فصمه تقى، لتحيا مطمئنّا


رمضان بين الفرح والحزن في وداعه

يعبّر الشعراء عن فرحتهم بقدوم رمضان ويصفونه بـ خير الشهور، كما في قول أحدهم:

رمضان يا خير الشهور
وخير بشرى في الزمان

ولكن، مع اقتراب نهاية الشهر المبارك، تتحول هذه الفرحة إلى حزن وحسرة، كما وصف الشاعر الأندلسي ابن جنان وداع رمضان بأسى شديد:

مضى رمضان أو كأني به مضى
وغاب سناه بعدما كان أوْمَضا
فيا عهده ما كان أكرم معهدا
ويا عصره أعزِزْ عليّ أن انقضى

وكذلك يقول الشيخ أحمد سحنون وهو يرثي آخر لحظات رمضان:

لم يبق من رمضان غير دقائق
ويزول مثل زوال أمس الدابر
يا حسرتا لفراقه ففراقه
ما كان غير فراق عهد زاهر


خاتمة

يجسد فن القوما أحد أجمل التقاليد الشعرية المرتبطة برمضان، حيث امتزج فيه الشعر الشعبي بالممارسات الدينية. كما عبّر الشعراء عن أحاسيسهم المتناقضة تجاه الشهر الكريم، بين الفرح بقدومه والحزن على وداعه، مما جعل الرمضانيات جزءًا لا يتجزأ من التراث الأدبي الإسلامي.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678