[ad_1]
الصراع العثماني-الأوروبي: كيف شكلت معركة أنقرة 1402 مصير البلقان؟
السياق التاريخي
شهدت نهاية القرن الثالث عشر الميلادي بداية التوسع العثماني في منطقة الأناضول وما بعدها، حيث كان الهدف الرئيسي للدولة العثمانية هو السيطرة على القسطنطينية ومن ثم نشر الإسلام في أنحاء أوروبا. كانت الحواضر البلقانية، مثل صربيا وبلغاريا، تشهد مقاومة شديدة ضد هذا التوسع، مما جعلها تشكل حجر عثرة أمام العثمانيين في مساعيهم للتمدد غربًا.
زلزال معركة أنقرة 1402
في عام 1402، واجه الجيش العثماني بقيادة السلطان بايزيد الأول هزيمة قاسية على يد تيمورلنك في معركة أنقرة. كانت هذه الهزيمة نقطة تحوّل استراتيجية في تاريخ الصراع العثماني-الأوروبي، حيث أحدثت فراغًا سلطويًا في الأناضول والبلقان. هذه الهزيمة أدت إلى انهيار مؤقت للمشروع التوسعي العثماني، وهو ما أعطى فرصة لأعداء الدولة العثمانية لإعادة ترتيب أوراقهم والتحالف مع القوى الأخرى في المنطقة.
رد الفعل الأوروبي
في هذه الفترة، استغل ملك المجر، سيغيسموند، الفراغ السياسي الذي خلفته الهزيمة العثمانية:
استغلال الفراغ السياسي: عمل على تقوية موقعه في البلقان من خلال تقديم الدعم للعديد من الحلفاء المحليين.
إنشاء دولة عازلة: قام بتأسيس دولة عازلة بقيادة الصرب لوقف التمدد العثماني في المنطقة. وكانت الصرب في تلك الفترة قد أعلنت ولاءها للمجر في خطوة استراتيجية لقطع الطريق على العثمانيين.
اختيار ستيفان لازاريفيتش (لازوغلو) كحليف استراتيجي: كان اختيار ستيفان لازاريفيتش كحليف مهمًا في هذه الفترة، حيث ساعد في تعزيز السيطرة الأوروبية على منطقة البلقان.
تحول ولاءات الصرب
في عام 1389، كانت صربيا قد دخلت تحت هيمنة العثمانيين بعد معركة كوسوفو. لكن بعد معركة أنقرة في 1402، تغيرت موازين القوى بشكل كبير:
عام 1403: الصرب أعلنوا ولاءهم للمجر، بعد الهزيمة العثمانية في معركة أنقرة. ونتيجة لهذا التحول، حصلوا على أراضٍ واسعة، بما في ذلك مدينة بلغراد التي أصبحت عاصمة للإمارة الصربية، وهو ما كان له تأثير كبير على الوضع الجيوسياسي في البلقان.
التحليل الاستراتيجي
الدولة العازلة: محاولات الأوروبيين لخلق دولة عازلة بين العثمانيين وأوروبا كانت جزءًا من استراتيجية أكبر لوقف المد العثماني في البلقان. كانت صربيا تحت قيادة ستيفان لازاريفيتش تعتبر سدًا منيعًا أمام التوسع العثماني.
اللعبة الكبرى: معركة أنقرة كانت بداية لحالة من الصراع المستمر بين القوى الإقليمية على النفوذ في البلقان. شكلت هذه التحولات الجيوسياسية بداية مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة.
إعادة تشكيل التحالفات: بعد الهزيمة العثمانية، شهدت البلقان إعادة تشكيل للتحالفات السياسية والقتالية، حيث تراجع النفوذ العثماني مؤقتًا، مما أتاح لأوروبا الاستفادة من الفراغ السياسي الذي أحدثته المعركة.
بلغراد.. المفتاح العسكري الذي شكل مصير الصراع العثماني-المجري في القرن الـ15
تُعد مدينة بلغراد واحدة من أبرز المواقع في تاريخ الصراع العثماني-الأوروبي، حيث كانت بمثابة نقطة محورية في الصراع بين الدولة العثمانية ومملكة المجر. لقد تحولت المدينة إلى بؤرة الصراع الجيوسياسي في البلقان خلال القرن الخامس عشر، بعد أن أصبحت مركزًا استراتيجيًا هامًا في تطور هذا النزاع الدموي.
التحول الاستراتيجي بعد سقوط بلغراد 1427
في نوفمبر 1427، تمكنت القوات المجرية من السيطرة على مدينة بلغراد، وهو ما كان له تأثير بالغ على موازين القوى في المنطقة. من جانبهم، اعتبر العثمانيون السيطرة المجرية على بلغراد تهديدًا وجوديًا، مما دفعهم إلى تكثيف الغارات العسكرية في البلقان وتغيير استراتيجيتهم العسكرية من الدفاع إلى الهجوم.
السياسة المجرية الذكية
اتبعت مملكة المجر تحت حكم الملك سيغيسموند سياسة ذكية في التعامل مع تهديدات العثمانيين:
إستراتيجية الدول الحاجزة: كانت المجر تسعى إلى إنشاء دويلات تابعة في الأفلاق وصربيا والبوسنة لتعمل كمناطق عازلة ضد التوسع العثماني.
الدفاع بالوكالة: اعتمدت المجر على الحلفاء المحليين مثل الصرب والبوسنيين للدفاع عن نفسها من العثمانيين، مما ساعد في إبقاء العثمانيين جنوب نهر الدانوب لفترة طويلة.
الأهمية الجيواستراتيجية لبلغراد
أدرك المؤرخون الأهمية الاستراتيجية لمدينة بلغراد:
خليل إينالجك وصف المدينة بأنها “تهديد مباشر للأمن العثماني”.
عاشق باشازاده أشار إلى أن “بلغراد كانت بوابة ولاية المجر ومفتاح الفتح”.
خواجة سعد الدين أفندي اعتبر أن “قلعة بلغراد هي باب الإقليم ومفتاح النصر”.
حملة مراد الثاني الفاشلة 1440
في عام 1440، شن السلطان العثماني مراد الثاني حملة استعادة بلغراد. استمرت الحملة العثمانية لمدة ستة أشهر من القتال العنيف، لكنها باءت بالفشل:
البطولة المجرية: كان القائد المجري يانوش هونيادي قائدًا حكيمًا في التصدي للهجوم العثماني، وتمكن من الدفاع عن بلغراد بنجاح.
النتيجة النهائية: تكبد العثمانيون خسائر فادحة، مما دفعهم إلى توقيع معاهدة سلام لمدة 10 سنوات مع مملكة المجر.
التحليل العسكري
من خلال هذه الحملة، تم استخلاص عدة دروس عسكرية هامة:
أهمية التحصينات الدفاعية: أظهرت الحملة كيف أن تحصين المدينة وقلعتها كان عنصرًا أساسيًا في صمودها أمام الحصار.
قيمة القيادة العسكرية المتمرسة: كان لحكمة القادة العسكريين الأوروبيين دور كبير في نجاح الدفاع عن المدينة.
حدود القوة العثمانية في تلك المرحلة: الحملة أظهرت أنه في بعض الفترات، كانت قوة العثمانيين محدودة أمام التحديات المعقدة.
التبعات التاريخية
تأخير السيطرة العثمانية على البلقان: الحملة الفاشلة على بلغراد أبطأت من تقدم العثمانيين في منطقة البلقان، حيث استغرق العثمانيون عدة عقود أخرى قبل أن يتمكنوا من السيطرة على المدينة.
إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية: الحملة وضعت معالم جديدة للتحالفات الإقليمية، حيث ازدادت قوة تحالفات المجر مع القوى المحلية الأخرى في البلقان.
تمهيد الطريق لمعركة فارنا 1444: فشل الحملة على بلغراد أدى إلى تحفيز الصراع المستمر في البلقان، مما تمخض عن معركة فارنا الشهيرة التي كانت لها تبعات كبيرة على المنطقة.
نيوز عربي تقدم هذا التحليل التاريخي الشامل الذي يكشف كيف شكلت بلغراد نقطة التحول في الصراع العثماني-الأوروبي، وكيف أثرت المعارك حولها في رسم خريطة القوى في منطقة البلقان لقرون قادمة.
حملة السلطان مراد الثاني على المجر، والتي انتهت بالفشل بعد حصار طويل دام 6 أشهر، لم تكن المحاولة الوحيدة للعثمانيين لفتح مدينة بلغراد. فقد كانت هناك محاولات أخرى بعد ذلك، أبرزها في عهد السلطان محمد الفاتح.في عام 1455، حاول السلطان محمد الفاتح حصار بلغراد مجددًا، ولكن الدفاعات الشرسة للمجريين بقيادة القائد هونياد أوقفت تقدم العثمانيين. على الرغم من الحصار المكثف من البر والنهر، استمرت المقاومة بقيادة هونياد حتى رفع السلطان الفاتح الحصار بسبب صعوبة الوضع العسكري وعدم تحقق الأمل في فتح المدينة.ورغم فشل الحملة في فتح بلغراد، فقد كانت هناك مكاسب للعثمانيين، منها إصابة القائد المجري هونياد بجروح خطيرة أدت إلى وفاته بعد 20 يومًا من فك الحصار. وهذه الوفاة ساهمت في تقليل التهديد العسكري ضد العثمانيين في تلك الفترة.بعد وفاة هونياد، أرسل السلطان الفاتح الصدر الأعظم محمود باشا لإكمال حملات الفتح في منطقة الصرب، وتمكن من فتح مناطق جديدة بين عامي 1458 و1460، مما أدى إلى فقدان الصرب لاستقلالهم بشكل كامل.
لكن بلغراد بقيت عقبة كبيرة في طريق التوسع العثماني في البلقان، نظراً لأهميتها الاستراتيجية كمركز مقاومة ومنطلق لتنفيذ الهجمات ضد الأراضي العثمانية. تلك المدينة التي شكلت تهديدًا مستمرًا للعثمانيين في المنطقة، وكان من المتوقع أن تكون مركزًا لعمليات هجومية قد تسعى لاستعادة الأراضي التي فقدتها المجر والصرب في ظل الاحتلال العثماني.
كان الهجوم العثماني على بلغراد في عهد السلطان سليمان القانوني حدثًا فارقًا في تاريخ الدولة العثمانية. فقد خلفت الأحداث السابقة كقتل السفير العثماني بهرام تشاوش على يد الملك المجري لويس الثاني أثرًا كبيرًا في العلاقات بين العثمانيين والمجريين، مما جعل الحملة العسكرية على بلغراد أمرًا لا مفر منه.بدأ السلطان سليمان القانوني حملته العسكرية الأولى في 17 مايو 1521، بعد أن تولى السلطنة في العام 1520، وهي الحملة التي شهدت تحرك الجيش العثماني في اتجاه قلعة بلغراد، التي كانت تعد واحدة من أقوى الحصون في البلقان والتي فشلت العديد من المحاولات العثمانية السابقة في السيطرة عليها. كانت بلغراد تقع في موقع استراتيجي على نهر الدانوب، وكان يمثل السيطرة عليها نقطة محورية في توسيع النفوذ العثماني في المنطقة.تحرك الجيش العثماني بسرعة نحو أدرنة، حيث مكث 5 أيام، قبل أن يتوجه إلى صوفيا عاصمة بلغاريا آنذاك، والتي كانت ضمن الأراضي العثمانية وقتها. كانت الخطة تقتضي التحضير لشن الهجوم على قلعة بلغراد من خلال إنشاء خطوط إمداد قوية للجيش العثماني واستنفار القوات اللازمة لضمان الانتصار في الحملة.تمكن السلطان سليمان القانوني بعد حملة طويلة ومعركة عنيفة من فتح بلغراد في أغسطس 1521، محققًا بذلك حلم أجداده في السيطرة على المدينة التي كانت بمثابة شوكة في خاصرة العثمانيين في البلقان. هذا الفتح فتح الباب أمام العثمانيين للهيمنة على المزيد من الأراضي في منطقة البلقان، وعزز من قوة الدولة العثمانية في أوروبا الشرقية.
بالتزامن مع تحركات الجيش العثماني نحو بلغراد، كانت العمليات اللوجستية والإستراتيجية مهمة جدًا لضمان نجاح الحملة. فقد قام دامات فرهاد باشا، أحد القادة البارزين في الجيش العثماني، بالانضمام إلى الحملة مصحوبًا بـ3 آلاف جمل محمّلة بالبارود والرصاص، مما يعكس التحضير المكثف لتوفير كل ما يحتاجه الجيش من مؤن وذخائر خلال الحصار. كما أن قائد الأسطول العثماني، دانشمَند رئيس، قد بدأ تحركه عبر نهر الدانوب بأسطوله المكون من 50 سفينة متجهًا إلى نقطة التقاء نهري السافا والدانوب حيث تقع القلعة المستهدفة.كان حاكم مدينة سمندرة، غازي حسرو بك، قد تلقى أوامر استراتيجية للسيطرة على الطرق التي قد تُستخدم لإرسال تعزيزات إلى بلغراد، مما يشير إلى أهمية تأمين خطوط الإمداد ومنع وصول أي دعم للمدينة المحاصرة. وفي نفس الوقت، قادت قوات الآقنجي، التي كانت تترأسها شخصيات مثل ميهال أوغلو محمد بك وبالي بك، غارات على مناطق كرواتيا وترانسيلفانيا بهدف تشتيت انتباه المجريين ومنعهم من إرسال التعزيزات.أما في مقدمة الجيش العثماني، فقد كان الأمير تورهان أوغلو عمر بك يقود الطليعة، مما يُظهر التنظيم العسكري العالي للجيش العثماني، الذي كان يهدف إلى محاصرة بلغراد من جميع الاتجاهات وتضييق الخناق على المدافعين.في الوقت نفسه، كانت الأنشطة السياسية والإدارية تواكب التحركات العسكرية، حيث كلف السلطان سليمان القانوني الصدر الأعظم بيري محمد باشا بمهمة السيطرة على مدينة زملين، وهي الضاحية القريبة من بلغراد، في خطوة استراتيجية تهدف إلى قطع أي خطوط إمداد للمجريين والضغط عليهم أكثر.
كانت هذه الحملة من أبرز عمليات التوسع العثماني في المنطقة، وأدت إلى تغيير موازين القوى في البلقان، إذ مهدت الطريق لفتح المدينة في أغسطس 1521، مما شكل انتصارًا هامًا في تاريخ الدولة العثمانية وأدى إلى تعزيز سيطرتها على أراضٍ جديدة.
بالفعل، فتح بلغراد في عام 1521 كان لحظة تاريخية هامة في مسيرة الدولة العثمانية، ليس فقط لأنه أزال أحد أكبر المعاقل المسيحية في البلقان، بل لأنه مهد الطريق للعثمانيين لتحقيق طموحاتهم في قلب أوروبا. تمثل هذه الحملة العسكرية بداية لتحقيق طموحات السلطان سليمان القانوني في توسيع حدود إمبراطوريته وتعزيز قوتها في المنطقة.كان السلطان سليمان قد بدأ حملته بتخطيط محكم، حيث توجه إلى قلعة بوغوردلين أولًا بهدف استعادتها من المجريين، وهي القلعة التي كانت قد انتزعها المجريون من العثمانيين في فترة سابقة. وبعد استعادتها، توجه إلى بلغراد التي كانت بمثابة آخر معقل مجري في المنطقة. ورغم المقاومة الشديدة التي أبدتها القوات المجربة في المدينة، خاصة في قلعتها التي كانت تُعد من أقوى القلاع في العالم في ذلك الوقت، استطاع السلطان سليمان أن يُسقطها بعد حصار دام 3 أسابيع فقط، وهو ما يُعد إنجازًا عسكريًا كبيرًا نظرًا لمحاولات أسلافه السابقة التي لم تكلل بالنجاح.تحت إشراف السلطان، تم بناء جسرين على نهر سافا مما مهد الطريق لعبور الجيش العثماني إلى المدينة. كانت حصار بلغراد مثالًا على القوة العثمانية التكتيكية والتنظيم العسكري المتقن. وبعد الاستسلام، قرر السلطان سليمان أن يُحصن المدينة بشكل كامل، وأرسل 200 مدفعًا وعددًا كبيرًا من الجنود لحمايتها، الأمر الذي جعلها قاعدة عسكرية رئيسية للإمبراطورية العثمانية في البلقان.كان لهذا الفتح آثار كبيرة على المدى البعيد، فقد سمح للعثمانيين بتوسيع سيطرتهم في المنطقة وتقديم تهديد مستمر للعواصم الأوروبية مثل فيينا. كما لعبت بلغراد دورًا محوريًا في دعم التوسع العثماني في أوروبا الوسطى، مما جعلها نقطة انطلاق للعديد من الهجمات القادمة ضد الأراضي الأوروبية
[ad_2]