حقوق الإنسان بين الرؤية الإسلامية والمفاهيم الغربية: قراءة مقارنة
تُعدّ حقوق الإنسان من المبادئ الأساسية التي تُولد مع الإنسان، وتُلازمه في كل زمان ومكان، دون أن تكون رهينة بسلطة أو نظام سياسي أو قانوني معين. فهي حقوق متجذرة في كرامة الإنسان، كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى:
{ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلًا} [الإسراء: 70].
وترى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن هذه الحقوق تشمل جميع البشر دون تمييز، وهي مترابطة وغير قابلة للتجزئة. غير أن مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام يتجاوز النظرة الحقوقية الغربية، لكونه يستند إلى العقيدة، ويرتبط بمنظومة الثواب والعقاب، ويُعدّ جزءًا من إيمان المسلم وسلوكه تجاه الآخرين.
حقوق الإنسان: بين التنظير الغربي والتطبيق الإسلامي
يختلف منشأ حقوق الإنسان في الفكر الغربي عنه في المنظور الإسلامي. ففي الغرب، يُعزى تطور هذا المفهوم إلى تراكم تاريخي بدأ من مواثيق مثل الميثاق الإنجليزي عام 1689م، وصولًا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م. أما في الإسلام، فقد وُضعت هذه الحقوق قبل أكثر من 1400 عام، حين أرسى النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعائم الكرامة الإنسانية، والعدل، وحرية الإنسان، من خلال القرآن والسنة.
ويجسد ذلك قول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”، في وقت كانت فيه أوروبا تغرق في ظلمات الجهل والاضطهاد.
الضمانات في الإسلام: حماية إلهية وتشريعية
ما يُميز حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية هو وجود ضمانات شرعية ملزمة، مصدرها النصوص القرآنية والحديث الشريف، وليست مجرد اجتهادات بشرية أو نظريات فلسفية. وتتمثل أبرز هذه الضمانات في:
-
الشورى
-
الحسبة
-
ديوان المظالم
-
الرقابة الشعبية والفردية
-
المناصحة بين الحاكم والمحكوم
كل هذه الآليات تضمن ممارسة الحقوق بشكل فعّال، وتحفظ كرامة الإنسان ومكانته.
الإسلام: دين الكرامة والحقوق
الإسلام لا ينظر إلى حقوق الإنسان كجزء من الفكر أو السياسة، بل كأصل من أصول الدين. فالكرامة والحرية والعدل جزء لا يتجزأ من الشريعة، وقد أكد الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله:
{ذلك بأنّ الله هو الحقّ وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62].
وقد بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وكانت صيانة حقوق الإنسان من أبرز القيم التي دعا إليها. ولذا، فإن الإسلام – شريعة ومنهاجًا – لا يكتفي بالدعوة للحقوق بل يجعلها واجبًا دينيًا.
التحذير من المفاهيم الزائفة
يرى باحثون مسلمون أن بعض المفاهيم الغربية حول حقوق الإنسان قد أدّت إلى فوضى أخلاقية واجتماعية، نتيجة فصلها عن الثوابت الدينية والضوابط الأخلاقية. ويؤكد الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في مؤلفه حقوق الإنسان في الإسلام أن “الشريعة الإسلامية تمتلك منظومة متكاملة من القيم التي تحمي حرية الفكر والتعبير ضمن حدود الشرع، دون الحاجة إلى استيراد مفاهيم مشوشة”.
الخلاصة
حقوق الإنسان في الإسلام ليست مجرد شعارات أو مواثيق، بل هي واجبات شرعية وأخلاقية تمثل أساس العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين الحاكم والمحكوم. وقد سبق الإسلام غيره من النظم في تأصيل هذه الحقوق، وربطها بالعدالة والكرامة الإنسانية، وجعلها حقًا لا يُمس، وواجبًا لا يُهمل.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة موقف تحرير “نيوز عربي”، وإنما تمثل وجهة نظر الكاتب استنادًا إلى مصادر موثوقة من الفكر الإسلامي والحقوقي.