هل يقرأ هاتفك أفكارك؟ كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مستقبل الإعلانات الرقمية
هل شعرت يومًا أن هاتفك الذكي يعرف ما تفكر فيه قبل أن تنطق به؟ تبحث عن حذاء رياضي، وفجأة تمتلئ صفحاتك بإعلانات الأحذية. تذكر وجهة سفر في رسالة خاصة، لتنهال عليك عروض الفنادق من كل حدب وصوب. هذه الظواهر لم تعد مصادفة، بل أصبحت جزءًا من ثورة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي في عالم الإعلان الرقمي.
في تحقيق نشره موقع نيوز عربي نقلاً عن مصادر متخصصة، يكشف الصحفي خيسوس ميسا عن كيفية تحوّل شركات الإعلان الكبرى إلى كيانات تعرف عن المستخدمين أكثر مما يتصورون، من خلال أدوات تكنولوجية متقدمة تجمع وتحلل السلوك الفردي بدقة مذهلة.
من الكوكيز إلى خرائط الهوية الرقمية
في السابق، كانت الإعلانات تعتمد على ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) أو تتبع الأجهزة الذكية. لكن اليوم، تغير المشهد بالكامل. تستخدم شركات الإعلان العملاقة مثل “ببليكس غروب” تقنيات متقدمة تقوم على ما يُعرف بـ”خرائط الهوية الرقمية”، والتي تسمح بتحديد المستخدم كفرد حقيقي وتربط سلوكياته الرقمية عبر مختلف المنصات والمواقع.
الذكاء الاصطناعي والبيانات: ثنائي لا يُهزم
في عرض تقديمي على منصة يوتيوب، صرّح المدير التنفيذي لشركة “ببليكس غروب”، آرثر سادون، قائلاً:
“لم نعد نتعامل مع أجهزة أو ملفات كوكيز… نحن نتعامل مع أشخاص حقيقيين. الذكاء الاصطناعي بدون بيانات لا يساوي شيئاً.”
وأوضح سادون أن نظام الذكاء الاصطناعي الذي طورته شركته، والذي يُعرف باسم “كوري” (Cori)، يتمتع بقدرة خارقة على تتبع وتحليل سلوك 91% من البالغين المتصلين بالإنترنت حول العالم، ما يجعله أحد أقوى محركات الإعلانات في العصر الرقمي.
كيف يؤثر ذلك على خصوصيتك؟
في ظل هذه التطورات، تُثار تساؤلات كثيرة حول خصوصية المستخدمين، خاصة مع تزايد قدرة الخوارزميات على التنبؤ بالنية الشرائية أو السلوك القادم. ومع أن الشركات تدافع عن هذه التقنية باعتبارها وسيلة لتحسين تجربة المستخدم وتقديم إعلانات “مناسبة”، يرى خبراء الخصوصية أن الخط الرفيع بين الاستهداف الذكي والمراقبة قد أصبح مهددًا أكثر من أي وقت مضى.

ماذا يعرف المعلنون عنك؟ كيف يغير الذكاء الاصطناعي الإعلانات الرقمية
في عالم اليوم الرقمي، أصبح المعلنون يعرفون عنك أكثر مما تتخيل، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات تتبع البيانات المتقدمة. هل شعرت يومًا أنك تجد إعلانات تتحدث عن اهتماماتك بعد محادثة عابرة؟ إليك كيف يحدث ذلك، وكيف يمكن لهذه الأدوات جمع بيانات دقيقة عن سلوكك عبر الإنترنت وخارجه.
قاعدة بيانات ضخمة للتتبع والتحليل
بحسب شركة “ببليكس”، تستخدم الشركة قاعدة بيانات “إيبسيلون” التي تحتوي على معلومات عن 2.3 مليار شخص حول العالم، وتضم 7 آلاف نقطة بيانات لكل فرد في الولايات المتحدة فقط. هذه البيانات تشمل:
-
ما يشاهده المستخدم ويقرأه على الإنترنت.
-
من يعيش معه في نفس المنزل.
-
من يتابعه على وسائل التواصل الاجتماعي.
-
ما يشتريه سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر.
-
متى وأين ولماذا يقوم بالشراء؟
هذه البيانات لا تقتصر فقط على الأنشطة الرقمية، بل تشمل أيضًا 75% من المعاملات التي تتم في المتاجر التقليدية.
نموذج “لولا” الافتراضي
كمثال على مدى دقة هذه البيانات، عرضت شركة ببليكس شخصية افتراضية تدعى “لولا”، وهي مبنية على بيانات حقيقية. تعرف الشركة عن “لولا” كل شيء: من اهتماماتها، إلى عاداتها الشرائية، وحتى مدى احتمال تغييرها ولاءها لعلامة تجارية بناءً على تغييرات في الأسعار أو دخلها.
“إذا ارتفع سعر عصيرها المفضل وبقي دخلها كما هو، يتوقع النظام أنها ستنتقل إلى علامة تجارية أرخص، ويتم تعديل الإعلانات تلقائيًا بناء على ذلك”، وفقًا لآرثر سادون، المدير التنفيذي للشركة.
شركات عملاقة تتبع نفس النهج
شركات كبرى مثل ميتا (فيسبوك وإنستغرام) و أدوبي قد تبنت نفس النموذج المتقدم. حيث طوّرت ميتا أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين استهداف الإعلانات بشكل لحظي. بينما أطلقت أدوبي إطارًا كاملاً لإدارة الحملات التسويقية عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي، بهدف تحسين تجربة المستخدم وتحقيق نتائج أفضل.
وفي تصريح لافت، قال دان ديرن، المدير المالي لشركة أدوبي:
“طموحنا أن يتأثر كامل دخل الشركة بالإعلانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.”
المستقبل: إعلانات أكثر تخصيصًا
إن القدرة على جمع وتحليل هذا الكم الهائل من البيانات تشير إلى مستقبل حيث ستصبح الإعلانات أكثر تخصيصًا ودقة، بما يسمح للمعلنين بتحقيق أقصى استفادة من الميزانيات المخصصة لهم، وتحقيق نتائج أفضل بكثير من الطرق التقليدية.

لكن… ماذا عن الخصوصية؟
في ظل النمو الكبير للتكنولوجيا الرقمية، يزداد القلق بشأن الخصوصية وكيفية جمع البيانات الشخصية واستخدامها. حتى عندما يختار المستخدمون عدم تتبعهم، تشير تقارير إلى أن البيانات لا تزال تُجمع وتُستخدم بطرق غير شفافة. دراسة عام 2022 على موقع “أرشيف دون أورغ” كشفت أن العديد من المعلنين لا يزالون يعالجون ويتبادلون بيانات المستخدمين، رغم وجود قوانين صارمة مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا (GDPR) و قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA).
هل هناك رقابة فعالة؟
قالت النائبة روث كادبري في تصريحات لوسائل الإعلام البريطانية:
“من الواضح أن هناك أسئلة تُطرح عن مدى اعتمادنا على أنظمة تتعامل مع بيانات المستخدمين بهذا الحجم وبدون رقابة فعالة.”
اليوم، الإعلانات التي تستهدفك لم تعد فقط بناءً على ما تنقر عليه، بل تستند إلى آلاف الإشارات الرقمية التي تُجمع عنك كل يوم عبر منصات متعددة، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى الأمان والخصوصية.
الإعلانات: فعالية أم مراقبة غير مسبوقة؟
بينما ترى الشركات أن الذكاء الاصطناعي جعل التسويق أكثر فعالية وأقل تبذيرًا، يرى النقاد أنه فتح الباب لاقتصاد يقوم على مراقبة الفرد وتوجيه سلوكه الاستهلاكي بدقة غير مسبوقة.
“الذكاء الاصطناعي قد حوّل الإعلانات إلى محادثات شخصية“، لكن إلى أي مدى نتحكم فعليا في بياناتنا وهوياتنا الرقمية؟ هذه أسئلة تشغل بال الكثيرين، خصوصًا مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع البيانات وتحليلها.
نهاية خصوصية الفرد؟
إن فكرة التحكم في البيانات الشخصية والهوية الرقمية أصبحت أكثر تعقيدًا. بينما تسعى شركات مثل نيوز عربي و ميتا إلى تحسين استهداف الإعلانات، فإن القلق يظل قائمًا حول مدى الرقابة التي تملكها الشركات على بياناتنا، وهل هناك حقًا ما يكفي من الشفافية فيما يتعلق باستخدام هذه البيانات.